معاني اجزاء السور المقررة بالمستوى الرابع الابتدائي

الإدارة نوفمبر 16, 2015 ديسمبر 28, 2018
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A
معاني اجزاء السور المقررة بالمستوى الرابع الابتدائي

معاني اجزاء السور المقررة بالمستوى الرابع الابتدائي

سورة القيامة
لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)
أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3)
بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4)
أقسم الله سبحانه بيوم الحساب والجزاء, وأقسم بالنفس المؤمنة
التقية التي تلوم صاحبها على ترك الطاعات وفِعْل الموبقات،
أن الناس يبعثون. أيظنُّ هذا الإنسان الكافر أن لن نقدر على
جَمْع عظامه بعد تفرقها؟ بلى سنجمعها، قادرين على
أن نجعل أصابعه أو أنامله -بعد جمعها وتأليفها- خَلْقًا سويًّا،
كما كانت قبل الموت .


بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6)
بل ينكر الإنسان البعث، يريد أن يبقى على الفجور فيما
يستقبل من أيام عمره, يسأل هذا الكافر مستبعدًا قيام
الساعة: متى يكون يوم القيامة؟

فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8)
وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10)
فإذا تحيَّر البصر ودُهش فزعًا مما رأى من أهوال يوم القيامة،
وذهب نور القمر, وجُمِع بين الشمس والقمر في ذهاب الضوء،
فلا ضوء لواحد منهما، يقول الإنسان وقتها: أين المهرب من العذاب؟

كَلاَّ لا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12)
ليس الأمر كما تتمناه- أيها الإنسان- مِن طلب الفرار،
لا ملجأ لك ولا منجى. إلى الله وحده مصير الخلائق
يوم القيامة ومستقرهم، فيجازي كلا بما يستحق.

يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)
يُخَبَّر الإنسان في ذلك اليوم بجميع أعماله: من خير وشر،
ما قدَّمه منها في حياته وما أخَّره.

بَلْ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)
بل الإنسان حجة واضحة على نفسه تلزمه بما فعل أو ترك،
ولو جاء بكل معذرة يعتذر بها عن إجرامه، فإنه لا ينفعه ذلك.











لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)
فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)
لا تحرك -أيها النبي- بالقرآن لسانك حين نزول الوحي؛
لأجل أن تتعجل بحفظه, مخافة أن يتفلَّت منك.
إن علينا جَمْعه في صدرك، ثم أن تقرأه بلسانك متى شئت.
فإذا قرأه عليك رسولنا جبريل فاستمِعْ لقراءته وأنصت له،
ثم اقرأه كما أقرأك إياه, ثم إن علينا توضيح ما أشكل
عليك فهمه من معانيه وأحكامه.

كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ (21)
ليس الأمر كما زعمتم- يا معشر المشركين- أن لا بعث ولا جزاء،
بل أنتم قوم تحبون الدنيا وزينتها، وتتركون الآخرة ونعيمها.

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)
وجوه أهل السعادة يوم القيامة مشرقة حسنة ناعمة,
ترى خالقها ومالك أمرها, فتتمتع بذلك.

وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)
ووجوه الأشقياء يوم القيامة عابسة كالحة, تتوقع أن تنزل
بها مصيبة عظيمة, تقصم فَقَار الظَّهْر.













كَلاَّ إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِي (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27)
وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتْ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29)
إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30)
حقًّا إذا وصلت الروح إلى أعالي الصدر، وقال بعض الحاضرين
لبعض: هل مِن راق يَرْقيه ويَشْفيه مما هو فيه؟ وأيقن المحتضر
أنَّ الذي نزل به هو فراق الدنيا؛ لمعاينته ملائكة الموت،
واتصلت شدة آخر الدنيا بشدة أول الآخرة, إلى الله
تعالى مساق العباد يوم القيامة: إما إلى الجنة وإما إلى النار.

فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32)
ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33) أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34)
ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35)
فلا آمن الكافر بالرسول والقرآن، ولا أدَّى لله تعالى
فرائض الصلاة, ولكن كذَّب بالقرآن، وأعرض
عن الإيمان، ثم مضى إلى أهله يتبختر مختالا في مشيته.
هلاك لك فهلاك، ثم هلاك لك فهلاك.

أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)
أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38)
فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى (39)
أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)
أيظنُّ هذا الإنسان المنكر للبعث أن يُترك هَمَلا لا يُؤمر ولا يُنْهى،
ولا يحاسب ولا يعاقب؟ ألم يك هذا الإنسان نطفة ضعيفة
من ماء مهين يراق ويصب في الأرحام، ثم صار قطعة من دم جامد،
فخلقه الله بقدرته وسوَّى صورته في أحسن تقويم؟
فجعل من هذا الإنسان الصنفين: الذكر والأنثى،
أليس ذلك الإله الخالق لهذه الأشياء بقادر على إعادة
الخلق بعد فنائهم؟ بلى إنه – سبحانه وتعالى- لقادر على ذلك.



سورة الانسان
هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (1)
قد مضى على الإنسان وقت طويل من الزمان قبل أن تُنفَخ
فيه الروح, لم يكن شيئا يُذكر, ولا يُعرف له أثر.

إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً (2)
إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3)
إنا خلقنا الإنسان من نطفة مختلطة من ماء الرجل وماء المرأة,
نختبره بالتكاليف الشرعية فيما بعد, فجعلناه من أجل ذلك
ذا سمع وذا بصر؛ ليسمع الآيات, ويرى الدلائل,
إنا بينَّا له وعرَّفناه طريق الهدى والضلال والخير والشر;
ليكون إما مؤمنًا شاكرًا, وإما كفورًا جاحدًا.

إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلاً وَأَغْلالاً وَسَعِيراً (4)
إنا أعتدنا للكافرين قيودًا من حديد تُشَدُّ بها أرجلهم,
وأغلالا تُغلُّ بها أيديهم إلى أعناقهم, ونارًا يُحرقون بها.

إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً (5)
إن أهل الطاعة والإخلاص الذين يؤدون حق الله,
يشربون يوم القيامة مِن كأس فيها خمر ممزوجة
بأحسن أنواع الطيب, وهو ماء الكافور.

عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً (6)
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7)
وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8)
إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً
وَلا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10)
هذا الشراب الذي مزج من الكافور هو عين يشرب
منها عباد الله, يتصرفون فيها, ويُجْرونها حيث شاؤوا إجراءً سهلا.
هؤلاء كانوا في الدنيا يوفون بما أوجبوا على أنفسهم من طاعة الله,
ويخافون عقاب الله في يوم القيامة الذي يكون ضرره خطيرًا,
وشره فاشيًا منتشرًا على الناس, إلا مَن رحم الله,
ويُطْعِمون الطعام مع حبهم له وحاجتهم إليه,
فقيرًا عاجزًا عن الكسب لا يملك من حطام الدنيا شيئًا,
وطفلا مات أبوه ولا مال له, وأسيرًا أُسر في الحرب
من المشركين وغيرهم, ويقولون في أنفسهم:
إنما نحسن إليكم ابتغاء مرضاة الله, وطلب ثوابه,
لا نبتغي عوضًا ولا نقصد حمدًا ولا ثناءً منكم.
إنا نخاف من ربنا يومًا شديدًا تَعْبِس فيه الوجوه,
وتتقطَّبُ الجباه مِن فظاعة أمره وشدة هوله.












فَوَقَاهُمْ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11)
وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (12)
مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (13)
وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً (14)
فوقاهم الله من شدائد ذلك اليوم, وأعطاهم حسنًا ونورًا في وجوههم,
وبهجة وفرحًا في قلوبهم, وأثابهم بصبرهم في الدنيا على الطاعة
جنة عظيمة يأكلون منها ما شاؤوا, ويَلْبَسون فيها الحرير الناعم,
متكئين فيها على الأسرَّة المزينة بفاخر الثياب والستور,
لا يرون فيها حر شمس ولا شدة برد, وقريبة منهم أشجار الجنة
مظللة عليهم, وسُهِّل لهم أَخْذُ ثمارها تسهيلا.

وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ (15)
قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً
كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً (17) عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (18)
ويدور عليهم الخدم بأواني الطعام الفضيَّة, وأكواب الشراب
من الزجاج, زجاج من فضة, قدَّرها السقاة على مقدار ما
يشتهي الشاربون لا تزيد ولا تنقص, ويُسْقَى هؤلاء الأبرار في
الجنة كأسًا مملوءة خمرًا مزجت بالزنجبيل, يشربون مِن عينٍ في
الجنة تسمى سلسبيلا؛ لسلامة شرابها وسهولة مساغه وطيبه.

وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ
حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنثُوراً (19)
ويدور على هؤلاء الأبرار لخدمتهم غلمان دائمون على حالهم,
إذا أبصرتهم ظننتهم- لحسنهم وصفاء ألوانهم إشراق وجوههم-
اللؤلؤ المفرَّق المضيء.

وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (20)
وإذا أبصرت أيَّ مكان في الجنة رأيت فيه نعيمًا لا يُدْركه
الوصف، ومُلْكا عظيمًا واسعًا لا غاية له.

عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ
وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً (21)
يعلوهم ويجمل أبدانهم ثياب بطائنها من الحرير الرقيق الأخضر,
وظاهرها من الحرير الغليظ, ويُحَلَّون من الحليِّ بأساور من الفضة,
وسقاهم ربهم فوق ذلك النعيم شرابًا لا رجس فيه ولا دنس.

إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (22)
ويقال لهم: إن هذا أُعِدَّ لكم مقابل أعمالكم الصالحة,
وكان عملكم في الدنيا عند الله مرضيًا مقبولا.




إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (23)
إنا نحن نَزَّلْنا عليك -أيها الرسول- القرآن تنزيلا من عندنا؛
لتذكر الناس بما فيه من الوعد والوعيد والثواب والعقاب.

فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24)
وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (25)
فاصبر لحكم ربك القدري واقبله, ولحكمه الديني فامض عليه,
ولا تطع من المشركين من كان منغمسًا في الشهوات أو مبالغًا
في الكفر والضلال, وداوم على ذكر اسم ربك ودعائه في أول النهار وآخره.

وَمِنْ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (26)
ومن الليل فاخضع لربك, وصَلِّ له, وتهجَّد له زمنًا طويلا فيه.

إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (27)
إن هؤلاء المشركين يحبون الدنيا, وينشغلون بها, ويتركون خلف
ظهورهم العمل للآخرة, ولما فيه نجاتهم في يوم عظيم الشدائد.

نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً (28)
نحن خلقناهم, وأحكمنا خلقهم, وإذا شئنا أهلكناهم, وجئنا
بقوم مطيعين ممتثلين لأوامر ربهم.

إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (29)
وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (30)
يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (31)
إن هذه السورة عظة للعالمين, فمن أراد الخير لنفسه في الدنيا
والآخرة اتخذ بالإيمان والتقوى طريقًا يوصله إلى مغفرة الله ورضوانه.
وما تريدون أمرًا من الأمور إلا بتقدير الله ومشيئته.
إن الله كان عليمًا بأحوال خلقه, حكيمًا في تدبيره وصنعه.
يُدْخل مَن يشاء مِن عباده في رحمته ورضوانه, وهم المؤمنون,
وأعدَّ للظالمين المتجاوزين حدود الله عذابًا موجعًا.

















سورة المرسلات
وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً (2)
وَالنَّاشِرَاتِ نَشْراً (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً (4)
فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً (5) عُذْراً أَوْ نُذْراً (6)
إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7)
أقسم الله تعالى بالرياح حين تهب متتابعة يقفو بعضها بعضًا,
وبالرياح الشديدة الهبوب المهلكة, وبالملائكة الموكلين بالسحب
يسوقونها حيث شاء الله, وبالملائكة التي تنزل من عند الله
بما يفرق بين الحق والباطل والحلال والحرام, وبالملائكة
التي تتلقى الوحي من عند الله وتنزل به على أنبيائه;
إعذارًا من الله إلى خلقه وإنذارًا منه إليهم ;
لئلا يكون لهم حجة. إن الذي توعدون به مِن أمر يوم القيامة
وما فيه من حساب وجزاء لنازلٌ بكم لا محالة.

فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9)
وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ وُقِّتَتْ (11)
لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15)
فإذا النجوم طُمست وذهب ضياؤها, وإذا السماء تصدَّعت,
وإذا الجبال تطايرت وتناثرت وصارت هباء تَذْروه الرياح,
وإذا الرسل عُيِّن لهم وقت وأجل للفصل بينهم وبين الأمم,
يقال: لأيِّ يوم عظيم أخِّرت الرسل؟ أخِّرت ليوم القضاء
والفصل بين الخلائق. وما أعلمك -أيها الإنسان-
أيُّ شيء هو يوم الفصل وشدته وهوله؟ هلاك عظيم
في ذلك اليوم للمكذبين بهذا اليوم الموعود.

أَلَمْ نُهْلِكْ الأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمْ الآخِرِينَ (17)
كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18)
ألم نهلك السابقين من الأمم الماضية; بتكذيبهم للرسل
كقوم نوح وعاد وثمود؟ ثم نلحق بهم المتأخرين ممن كانوا
مثلهم في التكذيب والعصيان. مِثل ذلك الإهلاك الفظيع
نفعل بهؤلاء المجرمين من كفار "مكة"؛ لتكذيبهم
الرسول صلى الله عليه وسلم.

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (19)
هلاك وعذاب شديد يوم القيامة لكل مكذِّب بأن الله هو
الإله الحق وحده لا شريك له، والنبوةِ والبعث والحساب.






أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21)
إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23)
ألم نخلقكم- يا معشر الكفار- من ماء ضعيف حقير وهو النطفة,
فجعلنا هذا الماء في مكان حصين, وهو رحم المرأة,
إلى وقت محدود ومعلوم عند الله تعالى؟ فقدرنا على خلقه
وتصويره وإخراجه, فنعم القادرون نحن.

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (24)
هلاك وعذاب شديد يوم القيامة للمكذبين بقدرتنا.

أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ كِفَاتاً (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً (26)
وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتاً (27)
ألم نجعل هذه الأرض التي تعيشون عليها, تضم على ظهرها
أحياء لا يحصون, وفي بطنها أمواتًا لا يحصرون,
وجعلنا فيها جبالا ثوابت عاليات؛ لئلا تضطرب بكم,
وأسقيناكم ماءً عذبًا سائغًا؟

وَيْلٌ يوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28)
هلاك ودمار يوم القيامة للمكذبين بهذه النعم.

َانطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ
ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (30) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنْ اللَّهَبِ (31)
إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ (33)
يقال للكافرين يوم القيامة: سيروا إلى عذاب جهنم الذي
كنتم به تكذبون في الدنيا, سيروا, فاستظلوا بدخان جهنم
يتفرع منه ثلاث قطع, لا يُظِل ذلك الظل من حر ذلك اليوم,
ولا يدفع من حر اللهب شيئًا. إن جهنم تقذف من النار
بشرر عظيم, كل شرارة منه كالبناء المشيد في العِظم والارتفاع.
كأن شرر جهنم المتطاير منها إبل سود يميل لونها إلى الصُّفْرة.

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34)
هلاك وعذاب شديد يوم القيامة للمكذبين بوعيد الله.









هَذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ (35) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36)
هذا يوم القيامة الذي لا ينطق فيه المكذبون بكلام ينفعهم,
ولا يكون لهم إذن في الكلام فيعتذرون؛ لأنه لا عذر لهم.

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37)
هلاك وعذاب شديد يومئذ للمكذبين بهذا اليوم وما فيه.

هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كَانَ
لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39)
هذا يوم يفصل الله فيه بين الخلائق, ويتميز فيه الحق
من الباطل, جمعناكم فيه -يا معشر كفار هذه الأمة-
مع الكفار الأولين من الأمم الماضية, فإن كان لكم
حيلة في الخلاص من العذاب فاحتالوا, وأنقذوا أنفسكم
مِن بطش الله وانتقامه.

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40)
هلاك ودمار يوم القيامة للمكذبين بيوم القيامة.

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42)
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ
نَجْزِي الْمُحْسِنينَ (44) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45)
إن الذين خافوا ربهم في الدنيا, واتقوا عذابه بامتثال أوامره
واجتناب نواهيه, هم يوم القيامة في ظلال الأشجار الوارفة
وعيون الماء الجارية, وفواكه كثيرة مما تشتهيه أنفسهم يتنعمون.
يقال لهم: كلوا أكلا لذيذًا, واشربوا شربًا هنيئًا؛ بسبب
ما قدمتم في الدنيا من صالح الأعمال. إنا بمثل ذلك الجزاء
العظيم نجزي أهل الإحسان في أعمالهم وطاعتهم لنا.
هلاك وعذاب شديد يوم القيامة للمكذبين بيوم الجزاء
والحساب وما فيه من النعيم والعذاب.

كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46)
ثم هدَّد الله الكافرين فقال : كلوا من لذائذ الدنيا,
واستمتعوا بشهواتها الفانية زمنًا قليلا؛ إنكم مجرمون
بإشراككم بالله.

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47)
هلاك وعذاب شديد يوم القيامة للمكذبين بيوم
الحساب والجزاء.

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (48)
وإذا قيل لهؤلاء المشركين: صلُّوا لله, واخشعوا له,
لا يخشعون ولا يصلُّون, بل يصرُّون على استكبارهم.

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)
هلاك وعذاب شديد يوم القيامة للمكذبين بآيات الله، إن
لم يؤمنوا بهذا القرآن، فبأي كتاب وكلام بعده يؤمنون؟
وهو المبيِّن لكل شيء، الواضح في حكمه وأحكامه وأخباره،
المعجز في ألفاظه ومعانيه.

سورة النبأ
عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنْ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2)
الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3)
عن أيِّ شيء يسأل بعض كفار قريش بعضا؟
يتساءلون عن الخبر العظيم الشأن، وهو القرآن العظيم الذي
ينبئ عن البعث الذي شك فيه كفار قريش وكذَّبوا به .

كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (5)
ما الأمر كما يزعم هؤلاء المشركون, سيعلم هؤلاء المشركون
عاقبة تكذيبهم، ويظهر لهم ما الله فاعل بهم يوم القيامة,
ثم سيتأكد لهم ذلك, ويتأكد لهم صدق ما جاء به
محمد صلى الله عليه وسلم, من القرآن والبعث.
وهذا تهديد ووعيد لهم.

أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ مِهَاداً (6)
ألم نجعل الأرض ممهدة لكم كالفراش؟

وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً (7)
والجبال رواسي؛ كي لا تتحرك بكم الأرض؟

وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً (8)
وخلقناكم أصنافا ذكرا وأنثى؟

وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً (9)
وجعلنا نومكم راحة لأبدانكم، فيه تهدؤون وتسكنون؟

وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً (10)
وجعلنا الليل لباسًا تَلْبَسكم ظلمته وتغشاكم,
كما يستر الثوب لابسه؟

وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً (11)
وجعلنا النهار معاشا تنتشرون فيه لمعاشكم,
وتسعَون فيه لمصالحكم؟

وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً (12)
وبنينا فوقكم سبع سموات متينة البناء محكمة الخلق,
لا صدوع لها ولا فطور؟

وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً (13)
وجعلنا الشمس سراجًا وقَّادًا مضيئًا؟

وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً (14)
لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً (16)
وأنزلنا من السحب الممطرة ماء منصَبّا بكثرة,
لنخرج به حبًا مما يقتات به الناس وحشائش
مما تأكله الدَّواب، وبساتين ملتفة بعضها ببعض لتشعب أغصانها؟


إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً (17) يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ
فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً (18)
إن يوم الفصل بين الخلق, وهو يوم القيامة, كان
وقتًا وميعادًا محددًا للأولين والآخرين, يوم ينفخ
المَلَك في "القرن" إيذانًا بالبعث فتأتون أممًا, كل أمة مع إمامهم.

وَفُتِحَتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً (19)
وفُتحت السماء، فكانت ذات أبواب كثيرة لنزول الملائكة.

وَسُيِّرَتْ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً (20)
ونسفت الجبال بعد ثبوتها, فكانت كالسراب.

إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً (21) لِلْطَّاغِينَ مَآباً (22)
لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً (23) لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً (24)
إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً (25) جَزَاءً وِفَاقاً (26)
إن جهنم كانت يومئذ ترصد أهل الكفر الذين أُعِدَّت لهم,
للكافرين مرجعًا, ماكثين فيها دهورًا متعاقبة لا تنقطع،
لا يَطْعَمون فيها ما يُبْرد حرَّ السعير عنهم، ولا شرابًا يرويهم,
إلا ماءً حارًا، وصديد أهل النار، يجازَون بذلك جزاء عادلا
موافقًا لأعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا.

إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً (27) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّاباً (28)
وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً (29) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً (30)
إنهم كانوا لا يخافون يوم الحساب فلم يعملوا له, وكذَّبوا بما
جاءتهم به الرسل تكذيبا, وكلَّ شيء علمناه وكتبناه في اللوح المحفوظ,
فذوقوا -أيها الكافرون- جزاء أعمالكم, فلن نزيدكم إلا عذابًا
فوق عذابكم.








إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً (32)
وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً (33) وَكَأْساً دِهَاقاً (34)
لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا كِذَّاباً (35)
إن للذين يخافون ربهم ويعملون صالحًا, فوزًا بدخولهم الجنة.
إن لهم بساتين عظيمة وأعنابًا, ولهم زوجات حديثات السن،
نواهد مستويات في سن واحدة, ولهم كأس مملوءة خمرًا.
لا يسمعون في هذه الجنة باطلا من القول، ولا يكذب بعضهم بعضًا.

جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً (36) رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ
وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً (37) يَوْمَ يَقُومُ
الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ
وَقَالَ صَوَاباً (38) ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39)
لهم كل ذلك جزاء ومنَّة من الله وعطاءً كثيرًا كافيًا لهم،
ربِّ السموات والأرض وما بينهما، رحمنِ الدنيا والآخرة,
لا يملكون أن يسألوه إلا فيما أذن لهم فيه, يوم يقوم
جبريل عليه السلام والملائكة مصطفِّين، لا يشفعون إلا لمن
أذن له الرحمن في الشفاعة, وقال حقًا وسدادًا. ذلك اليوم الحق
الذي لا ريب في وقوعه, فمن شاء النجاة مِن أهواله فليتخذ
إلى ربه مرجعًا بالعمل الصالح.

إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ
وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا (40)
إنَّا حذَّرناكم عذاب يوم الآخرة القريب الذي يرى فيه كل امرئ
ما عمل من خير أو اكتسب من إثم, ويقول الكافر من هول
الحساب: يا ليتني كنت ترابًا فلم أُبعث.
النازعات
وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً (2)
وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً (4)
فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً (5) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7)
أقسم الله تعالى بالملائكة التي تنزع أرواح الكفار نزعا شديدا،
والملائكة التي تقبض أرواح المؤمنين بنشاط ورفق،
والملائكة التي تَسْبَح في نزولها من السماء وصعودها إليها,
فالملائكة التي تسبق وتسارع إلى تنفيذ أمر الله, فالملائكة المنفذات
أمر ربها فيما أوكل إليها تدبيره من شؤون الكون –
ولا يجوز للمخلوق أن يقسم بغير خالقه، فإن فعل فقد
أشرك- لتُبعثَنَّ الخلائق وتُحَاسَب, يوم تضطرب الأرض
بالنفخة الأولى نفخة الإماتة, تتبعها نفخة أخرى للإحياء.

قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9)
قلوب الكفار يومئذ مضطربة من شدة الخوف, أبصار أصحابها
ذليلة من هول ما ترى.

يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10)
أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً نَخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12)
يقول هؤلاء المكذبون بالبعث: أنُرَدُّ بعد موتنا إلى ما كنا عليه
أحياء في الأرض؟ أنردُّ وقد صرنا عظامًا بالية؟
قالوا: رجعتنا تلك ستكون إذًا خائبة كاذبة.

فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)
فإنما هي نفخة واحدة, فإذا هم أحياء على وجه الأرض
بعد أن كانوا في بطنها.



هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15)
هل أتاك -أيها الرسول- خبر موسى؟

إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى (16)
اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ
إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19)
حين ناداه ربه بالوادي المطهَّر المبارك "طوى"، فقال له:
اذهب إلى فرعون، إنه قد أفرط في العصيان، فقل له:
أتودُّ أن تطهِّر نفسك من النقائص وتحليها بالإيمان,
وأُرشدك إلى طاعة ربك، فتخشاه وتتقيه؟

فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22)
فأرى موسى فرعونَ العلامة العظمى: العصا واليد, فكذب فرعون
نبيَّ الله موسى عليه السلام, وعصى ربه عزَّ وجلَّ،
ثم ولَّى معرضًا عن الإيمان مجتهدًا في معارضة موسى.

فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى (24)
فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى (25)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26)
فجمع أهل مملكته وناداهم، فقال: أنا ربكم الذي لا ربَّ فوقه،
فانتقم الله منه بالعذاب في الدنيا والآخرة، وجعله عبرة
ونكالا لأمثاله من المتمردين. إن في فرعون وما نزل به
من العذاب لموعظةً لمن يتعظ وينزجر.

أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27)
رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28)
وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29)
وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30)
أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31)
وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ (33)
أبَعْثُكم أيها الناس- بعد الموت أشد في تقديركم أم خلق السماء؟
رفعها فوقكم كالبناء, وأعلى سقفها في الهواء لا تفاوت فيها
ولا فطور، وأظلم ليلها بغروب شمسها, وأبرز نهارها بشروقها.
والأرض بعد خلق السماء بسطها, وأودع فيها منافعها،
وفجَّر فيها عيون الماء, وأنبت فيها ما يُرعى من النباتات,
وأثبت فيها الجبال أوتادًا لها. خلق سبحانه كل هذه النعم
منفعة لكم ولأنعامكم. (إن إعادة خلقكم يوم القيامة أهون
على الله من خلق هذه الأشياء، وكله على الله هين يسير).



فَإِذَا جَاءَتْ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34)
يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتْ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36)
فإذا جاءت القيامة الكبرى والشدة العظمى وهي النفخة الثانية,
عندئذ يُعْرَض على الإنسان كل عمله من خير وشر،
فيتذكره ويعترف به، وأُظهرت جهنم لكل مُبْصِر تُرى عِيانًا.

فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38)
فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39)
فأمَّا مَن تمرد على أمر الله, وفضل الحياة الدنيا على الآخرة,
فإن مصيره إلى النار.

وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى (40)
فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)
وأمَّا مَنْ خاف القيام بين يدي الله للحساب، ونهى النفس
عن الأهواء الفاسدة, فإن الجنة هي مسكنه.

يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42)
فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا (44)
إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ
يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)
يسألك المشركون أيها الرسول- استخفافا- عن وقت
حلول الساعة التي تتوعدهم بها. لستَ في شيء مِن علمها،
بل مرد ذلك إلى الله عز وجل، وإنما شأنك في أمر الساعة
أن تحذر منها مَن يخافها. كأنهم يوم يرون قيام الساعة
لم يلبثوا في الحياة الدنيا؛ لهول الساعة إلا ما بين الظهر
إلى غروب الشمس، أو ما بين طلوع الشمس إلى نصف النهار.


سورة عبس
عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى (2)
ظهر التغير والعبوس في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم,
وأعرض لأجل أن الأعمى عبد الله بن أم مكتوم جاءه مسترشدا,
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم منشغلا بدعوة كبار قريش إلى الإسلام.

وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4)
وأيُّ شيء يجعلك عالمًا بحقيقة أمره؟ لعله بسؤاله تزكو نفسه
وتطهر, أو يحصل له المزيد من الاعتبار والازدجار.

أَمَّا مَنْ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (7)
أما مَن استغنى عن هديك, فأنت تتعرض له وتصغي لكلامه,
وأي شيء عليك ألا يتطهر من كفره؟

وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10)
كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12)
فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15)
كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)
وأمَّا من كان حريصا على لقائك, وهو يخشى الله من التقصير
في الاسترشاد, فأنت عنه تتشاغل. ليس الأمر كما فعلت أيها الرسول,
إن هذه السورة موعظة لك ولكل من شاء الاتعاظ. فمن شاء
ذكر الله وَأْتَمَّ بوحيه. هذا الوحي, وهو القرآن في صحف معظمة,
موقرة, عالية القدر مطهرة من الدنس والزيادة والنقص,
بأيدي ملائكة كتبة, سفراء بين الله وخلقه, كرام الخلق,
أخلاقهم وأفعالهم بارة طاهرة.


قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18)
مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20)
ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22)
كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23)
لُعِنَ الإنسان الكافر وعُذِّب, ما أشدَّ كفره بربه!! ألم ير مِن أيِّ
شيء خلقه الله أول مرة؟ خلقه الله من ماء قليل
- وهو المَنِيُّ- فقدَّره أطوارا, ثم بين له طريق الخير والشر,
ثم أماته فجعل له مكانًا يُقبر فيه, ثم إذا شاء سبحانه أحياه,
وبعثه بعد موته للحساب والجزاء. ليس الأمر كما يقول
الكافر ويفعل, فلم يُؤَدِّ ما أمره الله به من الإيمان والعمل بطاعته.

فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً (25)
ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً (27)
وَعِنَباً وَقَضْباً (28) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (29) وَحَدَائِقَ غُلْباً (30)
وَفَاكِهَةً وَأَبّاً (31) مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ (32)
فليتدبر الإنسان: كيف خلق الله طعامه الذي هو قوام حياته؟
أنَّا صببنا الماء على الأرض صَبًّا, ثم شققناها بما أخرجنا
منها من نبات شتى, فأنبتنا فيها حبًا, وعنبًا وعلفًا للدواب,
وزيتونًا ونخلا وحدائق عظيمة الأشجار, وثمارًا وكلأ
تَنْعَمون بها أنتم وأنعامكم.



فَإِذَا جَاءَتْ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34)
وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36)
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)
فإذا جاءت صيحة يوم القيامة التي تصمُّ مِن هولها الأسماع,
يوم يفرُّ المرء لهول ذلك اليوم من أخيه, وأمه وأبيه,
وزوجه وبنيه. لكل واحد منهم يومئذٍ أمر يشغله
ويمنعه من الانشغال بغيره.

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39)
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41)
أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)
وجوه أهل النعيم في ذلك اليوم مستنيرة، مسرورة فرحة,
ووجوه أهل الجحيم مظلمة مسودَّة, تغشاها ذلَّة.
أولئك الموصوفون بهذا الوصف هم الذين كفروا
بنعم الله وكذَّبوا بآياته, وتجرؤوا على محارمه بالفجور والطغيان.

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    https://www.profpress.net/