ممارسة التدريس:029 الجحود
ممارسة التدريس:029 الجحود
أستاذ مادة الرياضيات في الثانوي التأهيلي
029 الجحود
شعور حارق مقيت بغيض صعب، قد يتعرّض له الممارس
الحيّ المرهف الإحساس فيحيل البياض سوادا، و يؤثّر بشكل كبير على نفسيته و على
صحته و على فعالية عمله و على حبّه لمهنته و على علاقته مع الآخرين، و هو غصة
و حرقة تسري في الجسم كما يقع مع المعدة و المريء.
و أنواع الجحود مختلفة المشارب و المصادر، و
كلما كان من عزيز قريب كان تأثيره أكبر و تداعياته أعظم، و قد أصبح طبْعاً عند
الكثيرين بسبب اختلال منظومة القيم في المجتمع و استشراء الوصولية و النفعية و حب
الذات و تعامل الغاب، كما أن أسس التربية الأسرية و أسس التواصل و أسس
الأخلاق السليمة و أسس شكر المعروف و أسس أدب الأفراد فيما بينهم كلها أصابها
وَهَن كبير و تصدع كبير في أصل بناءها و منطقها السليم.
هناك مواقف قد يتعرّض لها الممارس للتدريس
توصيفها الصحيح هو الجحود، فقد يصادف تلميذا في الطريق فلا ينظر إليه و لا يسلم
عليه كأنه لم يعرفه قط رغم العلاقة الحسنة التي جمعتهما طيلة سنة الدراسة، و قد لا
يسمع كلمة شكر على أي خدمة يوفّرها لتلميذه في السنة الدراسية، و قد يتعرّض لكلمة
جارحة أو إهانة ( أو في حالات متقدمة إلى سب و قذف و تهجم جسدي ) بسبب أي
تدخل له لإعادة الأمور إلى نصابها إما في صد غش أو حثّ على الانتباه أو غيرها
دون مراعاة لقيمة الأستاذ و ما قدمه من
تضحيات، و هذه أمثلة معبّرة لكنها غير حصرية و من يتأمل الوضعية تبرز ماثلة أمامه
أمثلة أخرى عديدة و متنوعة؛ و أصنف هذا الجحود بكونه الأقسى لأن التلميذ هو
الأقرب في اهتمام الممارس الحيّ و هو الذي أخذ منه جهدا مضنيا و عناءً كبيرا في
تدريسه و الحرص على مصلحته و متابعة شؤون دراسته.
و لا بد للإشارة إلى جحود بعض أولياء الأمور و
جحود بعض أطر الإدارة و جحود
المجتمع
و الإعلام و جحود بعض القيمين على شؤون التعليم فيما يكيلون لصرح الأستاذ من أوصاف
و تهم و تعميم جائر ظالم لكل خلل في منظومة التعليم، و قد أشرنا لذلك في مقال سابق
عنوانه: أذى المسار.
إن كل ما قلناه يستشعره كل ذي ضمير حي، و يتعرض
له بنسب معينة و يؤثر لا محالة عليه بنسب معينة أيضا تتفاوت حسب طبيعة الشخصية و
جنسها و سن الممارس و حساسيته. و عدم مقاومة هذا الإحساس تكون له عواقب سيئة،
فلهذا لا بد من التعود على الاحترافية الجافة في التعامل، و التجرد في العمل، و
استحضار المعنى الشرعي للإخلاص في العمل و هو بُغية التقرب إلى الله وحده، و حينها
يستوي المادح و الذامّ، و الجاحد و الوفيّ، و الناكر و المعترف بالجميل، و
تنتفي حالة الحساسية مع المخلوق إلى حالة التقرب إلى الخالق سبحانه و تعالى و أظن
ذلك دواء نافعا مجدياً إن شاء الله.