الغُمَّيْضَة ـ قصة قصيرة

الإدارة يونيو 03, 2017 يونيو 03, 2017
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

الغُمَّيْضَة ـ قصة قصيرة


الغُمَّيْضَة ـ قصة قصيرة

 نورالدين الطويليع

كون علاء وبراء مجموعة من عشرة أفراد انخرطوا في ممارسة لعبة "الغميضة" على جناح السرعة بطلب من المدير العام للعبة، انطلقت المباراة، وأخذ أفراد المجموعتين أمكنتهم، ما هي إلا لحظات حتى تدخل المشرف على اللعبة ودعا علاء إلى التنحي والانصراف إلى حال سبيله، ووبخه على غشه وإخلاله بقواعد اللعبة، وبلغه كذلك غضب المدير العام شخصيا عليه، وخاطبه قائلا: "رأيناك تسترق النظر من تحت قطعة الثوب التي وضعناها بإحكام على أعينكم، وأوصيناكم بعدم مسها أو إزاحتها من مكانها، وقد لاحظنا أن كل زملائك انضبطوا إلا أنت، فلتغادر الملعب في الحين، وإياك ثم إياك أن تظهر التردد والعصيان، وإلا أودعتك السجن بتهمة الخيانة العظمى".
لم ينبس علاء ببنت شفة، وقصد في الحين زميله ورفيق دربه براء، ملتمسا منه التدخل لإنصافه ورد الاعتبار إليه، وإعادته إلى أرض الملعب، ليفاجئه بالدعوة إلى تحكيم العقل والامتثال للأوامر العليا، وتجنب إثارة البلبلة، واستحضار الظروف العامة التي تستدعي، في نظره، التحلي بالحكمة وتغليب المصالح العليا على المصلحة الشخصية الضيقة، وختم نصيحته له بتهنئته على التخلص من عبء ثقيل يسبب "صداع الرأس"، وعلى ما سينعم به من راحة وطمأنينة وتفرغ لمباشرة أموره الخاصة.
جمع علاء غيظه وغضبه وانصرف إلى حال سبيله،وتوارى عن الأنظار، دون أن يُرى له أثر بعد ذلك، فيما أصدر براء، الذي انتشى بأنه صار القائد الأوحد لمجموعته، أوامره لعناصره بضرورة الانضباط والتوقف عن إثارة الجلبة، بعدما اقترحوا عليه اتخاذ قرار الانسحاب، متهما إياهم بقصر النظر وسوء التقدير، لأن من شأن خطوة كهذه، في نظره، أن تعطي فرصة ذهبية للخصوم للزحف على الملعب وتعويضهم في الحين، "أما أنتم فلن تبكي عليكم السماء ولا الأرض، بل ستصبحون بعد برهة في خبر كان، بعدما يتهمونكم بأنكم تخليتم عن اللعبة في أحلك اللحظات، وعرضتموها لخطر محدق، لا تفتحوا مجال التشفي للخصوم".
احتج أفراد المجموعة على براء، واتهموه بالسلبية وبالرضا بالأمر الواقع الذي تختل فيه موازين القوى بينهم وبين أفراد المجموعة الأخرى الذين لا تطبق عليهم قواعد اللعبة، ويظلون فاتحين أعينهم عن الآخر، دون أن يكلفوا أنفسهم حتى مجرد التظاهر بالالتزام بشروط اللعبة.
كم أنتم أغبياء، من أنتم حتى تقارنوا أنفسكم بهؤلاء؟؟؟، الزموا الصمت، وإياكم أن تعودوا لمثل هذا الحديث، تحلوا بشيمة الصبر وانتظروا حتى تشتد شوكتنا ونُوجِدَ لأنفسنا أقداما راسخة في رقعة الملعب، وبعد ذلك يليق بكم أن ترفعوا صوتكم فوق صوت المشرف، والمدير حتى.
وهل سنتخلى بهذه السهولة عن علاء؟
نعم، لأنه تسرع وخطى خطوات لم يحسب لها حسابا، كادت أن تعصف بنا جميعا، لم يتدبر أَمْرَهُ وأَمْرَنَا بعقلانية وتَرَوٍّ، حرق كل المسافات، وحاول أن يقطع مسيرة الألف ميل بخطوة واحدة فقط، دون أن يدري أن النط  سيسقطه أرضا، هذا هو جزاؤه، لأن من استبق الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه، انصرفوا راشدين إلى ملعبكم، وإياكم أن تعودوا لمثل هذا الحديث، فيحل عليكم غضبي وغضب المشرف والمدير.
أبرق براء نيابة عن أفراد مجموعته رسالة إلى هذين الأخيرين تبرأ من خلالها من سلوك زميله، وأثنى على قرار عزله، الذي اعتبره قرارا صائبا ودرسا عظيما لكل من تسول له نفسه التمرد على مبادئ اللعبة، اسْتُئْنِفَ اللعب، ودخل أفراد المجموعتين في جولة جديدة، وبعد مدة قصيرة صدر قرار آخر بإخراج براء وبعض أفراد مجموعته من اللعبة بذات التهمة التي وجهت لزميلهم علاء الذي اسْتُدْعِيَ على جناح السرعة، و طُلِبَ منه الالتحاق بأرض الملعب وقيادة من تبقى من أفراد مجموعته.
رد علاء التحية بأحسن منه، لم يلتفت لمناشدات براء له برفض الطلب، كما لم يعبأ بوعيده له بأنه سيكون من الخائنين، وسيكتب اسمه بمداد أسود في لائحة المتخلين عن إخوانهم في الظروف الحالكة، بل ذهب بعيدا وهو يرد عليه بقسمات هادئة وابتسامة ماكرة: "لماذا لم تر الخيانة إلا في هذه اللحظة، ألم يكن تخليك وباقي الزملاء عني، وإصراركم على الاستمرار في اللعب، رغم طردي، خيانة؟"
رد براء قائلا: "طردوني أنا رغم ما أسديت لهم من خدمات، سيطردونك في الحين، لأنك لن تستطيع أن تصمد وأنت تهوي في قاع التنازلات، قل لي ماذا أنت فاعل في هذه الحال؟"
اطمئن سيدي، سأغير طريقة اشتغالي، لن أنط ولن أتهور هذه المرة، سأقطع مسيرة الألف ميل خطوة خطوة، ولا مشكل لدي أن أتوقف في بداية الطريق لاسترجاع الأنفاس، أو أسير بسرعة السلحفاة.
لن تجد الطريق سالكا، سيكون مظلما مأهولا بالحفر والمطبات والأغوال والعفاريت والهوام، ولا أستبعد أن يكون حتفك في سقوط مُدَوٍّ في إحدى الحفر، أو في تخبط الأرواح الشريرة بك.
ليكن سيدي، كان أولى أن تستحضر هذا في أوانه، أما الآن فأنا أدعوك لتكف عني نصائحك، وبعد أن تفعل أهنئك على الظفر بالتقاعد المريح الذي ستتخلص فيه من هذا العبء الثقيل الذي حُمِّلْتُهُ عوضا عنك.    

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    https://www.profpress.net/