خطاب الملك و قرارات الوزير

الإدارة أغسطس 27, 2013 أغسطس 27, 2013
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A


خطاب الملك و قرارات الوزير


بقلم ذ.الحسن اللحية

بعد أن استمعنا و تتبعنا خطاب الملك بمناسبة 20 غشت 2013، الذي خصص للتعليم ، تساءلت كما تساءل الجميع قائلا : كيف سيقرأ وزير التعليم و معه حكومة بن كيران برمتها خطاب الملك؟

رجعت بي الذاكرة إلى الوراء، إلى لحظة تنصيب الحكومة ، حيث كانت المفاجأة كبيرة حينما أعلن عن اسم السيد محمد الوفا وزيرا للتعليم، ليس لأن الرجل لا يستحق ذلك، بل لأن الرجل كان بعيدا عن المغرب مشتغلا في سلك قد يجعله غير قريب من قضايا ومشاكل التعليم اليومية هنا – ولربما ذلك ما جعله يستحضر في لحظات كثيرة في حديثه عن التعليم صورا عن الماضي – على الرغم من أن مزايا السلك الديبلوماسي كثيرة ، ويمكنها أن تفيده في المقارنة بين الأنظمة التعليمية، و سيسمح له ذلك بالإطلاع على التجارب الدولية والتصورات المختلفة في التعليم و معالجة قضاياه ، وخاصة وأنه يعرف البرازيل و ما قامت به من إصلاحات في سلك الباكالوريا، و الهند التي عممت التعليم واحتضنت التنوع والتعدد. ولعمري أن السلك الديبلوماسي سيكون الأفيد له في معالجة قضايانا في التعليم إجراء أو استلهاما ، و بديبلوماسية كبيرة لو خصص مجموعات عمل إلى جانبه تهتم بذلك و تقارن بيننا وبين الدول التي تعيش نفس المشاكل التي نعانيها.

لكن الرجل الديبلوماسي تحدث إلينا و إلى غيرنا نحن رجال و نساء التعليم، منذ اللحظة الأولى، بلغة غير ديبلوماسية ، حيث أصبح الديبلوماسي موضوع فيديوهات و نقاشات يومية بين الجميع، فأنشغل الجميع بتحركاته و سكناته و بأقواله و نسي الجميع الإصلاح الذي جاء من أجله. و يتجلى ذلك فيما يلي:

أولا: يقول وزير ديبلوماسي مخاطبا المتسائلين (والله أوباما باباه … ). ماذا كان سيحدث للديبلوماسية المغربية لو أن السيد أوباما اعتبر ما فاه به وزير كان ديبلوماسيا سبا و قذفا أو شماتة أو استصغارا له؟ فأي أزمة ديبلوماسية كان المغرب سيعرفها، وهي غير متوقعة؟

ثانيا: حينما زار وزيرنا الديبلوماسي مؤسسة تعليمية ، وهو يتوجه لطفلة قائلا: (أنت ماخصك والو، خاصك غير كذا)، فأي أزمة حقوقية كنا سندخلها لو استمر الجميع في المطالبة باعتذار السيد الوزير، أو طالب الجميع باعتذار رسمي من طرف السيد بن كيران رئيس الحكومة بالنظر إلى تصورات حزب العدالة والتنمية للمرأة، وعلى اعتبار أن السيد الوزير الوفا يترجم ما تعتقده الحكومة البنكيرانية؟

ثالثا: حين زار وزيرنا مدرسة و أخذ الطبشورة و وضع نقطة الصفر مقيما أداء مدرسة ، فهل هو من ينبغي أن يقيم الأداء أم المفتش(ة) أم غيره؟ و لماذا لم يطرح مشكل التكوين والتكوين المستمر والمراقبة التربوية …إلخ للنقاش عوض الاكتفاء بالتهكم كحل للمشكل؟

رابعا: ترآى للجميع أن السيد الوزير الديبلوماسي يظهر وحيدا في وزارته بدون مساعدين ولا مستشارين، يحضر للاجتماعات وحيدا ، لا يريد أن يسمع للمسؤول و النقابي و المفتش والمدرس و الجمعية… كأنه يقلل من شأن الجميع ، وهو الوحيد الذي يعرف كل شيء، بل هو الوحيد الذي يريد أن يكون مركز شيء، من التوقيع و الإمضاء إلى القرار. فكان السؤال هل نحن في عهد اللامركزية و تفويض الاختصاصات أم نحن في عهد المركزة الستينية؟ هل نحن في عهد الحوار و التشارك و تفويض الاختصاصات أم في عهد التعليمات؟ هل نحن في عهد الاشتغال الجماعي أم في عهد المرشد العام الذي لا تنفلت منه التفاصيل والقرارات المحلية و الجهوية و الوطنية…إلخ.

خامسا: إن وزيرنا الذي يشتغل وحيدا، وهو العارف الوحيد طبعا، الممركز لجميع السلط في يد واحدة ووحيدة، أتذكره وهو يشرع في إصدار قراراته الأولى، قرارات بدون رؤية و لا بدائل. فكانت القرارات كالآتي:

كان أول قرار شجاع هو التوقيف/الإلغاء/التأجيل/الالتفاف المباغث و الغامض لبيداغوجيا الإدماج كما نصت عبارات المذكرة على ذلك: هل هو توقيف فعلا؟ إن المذكرة مفتوحة على جميع التأويلات ، لكن الحس التربوي العام أول المذكرة وفق إرادته التي تعبر عن نفسها بالرفض. لقد كان تأويلا دمويا للمذكرة كما يقول فانسون ديكومب، حيث يستفاد منه أن الشغيلة التعليمية التي أوقفت الاشتغال بالإدماج ترفض سياسة كاملة للبرامج و المناهج و التكوين، وهو ما لم يفكر فيه وزيرنا الديبلوماسي الذي تربى في الديبلوماسية على تفكيك الرموز و التقاط الاشارات. فما بعد الإدماج ظل حبيس قرار غير واضح. ومن هنا هشاشة القرار و ارتجاليته وانعدام المابعد.

بدأ مسلسل القرارات يتناسل مثل القرار الخاص بالإدارة التربوية الذي وجد له السيد الوزير حلا بالتهديد بسحب التكليف بالإدارة التربوية من المدراء و تعويضهم بغيرهم هكذا كحل سلطوي بسيط و فعال. و الغاية هي وجوب امتثال الجميع للقرار؛ وبذلك حل السيد الوزير الديبلوماسي المشكل بمشكل أكبر له علاقة بسلطة وزيرنا الديبلوماسي.

لم يكلف السيد الوزير نفسه ليبحث في حلول و استراتيجيات جديدة لحل مشكل الإدارة التربوية ، اكتفى بحله هو دون انصات و لا إشراك و لا حوار حول الآفاق الممكنة ، ولم يستحضر التجارب الدولية حول الإدارة التربوية، و لا الامكانات التي يوفرها النظام التربوي المغربي لحل هذا المشكل ، وهي كثيرة و متاحة.

أوقف وزيرنا لجن تأليف الكتاب المدرسي ، فقلنا إن مثل هذا القرار قرار شجاع لأنه يرتبط بالتصور البيداغوجي المؤجل و باللامركزية ، لكن المنتظر لما ينبغي أن يحصل لن يجد السيد الوزير مهموما بذلك و كأن اللامركزية ليست قضية مركزية في الدستور الجديد، بل إن السيد الوزير لم يراع و لم يدرس كل ما يحيط بالكتاب المدرسي من جهة التأليف و الطبع والنشر و التوزيع، ومن جهة المصادقة و القرب و البعد من الإقرار ، ومن جهة المضمون المعرفي و العلمي المساير للمعرفة الكونية، و من جهة الاقتصاد و التكلفة و الالتزام بدفاتر التحملات… لقد كان قرارا بدون أي أفق، و خاصة وأن الكتاب المدرسي ارتبط باختيارات بيداغوجية كبيداغوجيا(الإدماج). فأي كتاب مدرسي سيكون عليه تعليم المغرب، وهو لايتبنى أو يتبنى بيداغوجيا (الإدماج)؟ و لماذا ضرورة الكتاب المدرسي بالذات في عهد اللامركزية والتعدد الثقافي و اللغوي في المغرب؟ … فلماذا لم يطرح السيد الوزير هذه الأسئلة للنقاش و اكتفى بالقرارات التقنية والإدارية؟

خلال هذه الفترة أصبح وزيرنا الديبلوماسي يتحدث عن حل سحري للمشكل البيداغوجي، وكان الحل هو (التخليطة البيداغوجية) دون بحث و لا ندوات و لا استشارات مع مفتشين و باحثين و لا دراسات في المجال… إنه قرار وزير لا ينبغي تجاوزه هكذا.

هناك قرارات أخرى أكثر جرأة وأقل نتيجة منها قراره القاضي بافتحاص البرنامج الاستعجالي، حيث قرر أنه سيعلن عن نتائجه في 31دجنبر 2012 ، و الحال أننا ننتظر نتائج ذلك الافتحاص و منهجيته و اختلالاته. فما تتبعناه أثناء و بعد عملية الافتحاص هو تلويح السيد الوزير بنهايتين ، هما نهاية عهد الميثاق الوطني للتربية والتكوين، و نهاية البرنامج الاستعجالي. فهل السيد رئيس الحكومة مقتنع بنهاية الميثاق الوطني للتربية و التكوين؟ وهل من بدائل؟ و هل إنهاء عهد الميثاق بخطابات مرتجلة هنا و هناك هي الطريقة الصحيحة و المناسبة سياسيا و أخلاقيا وفكريا؟ لقد اقتنع كثير من الحواري و الذين لا رأي لهم بالنهايتين معا و أصبح الكثير من الناس يتحدثون عن عهد ما بعد الميثاق والبرنامج الاستعجالي ، والدليل على ذلك أن الوزارة أصدرت برنامج العمل المتوسط المدى 2013-2016. فماذا يعني هذا البرنامج السيد الوزير؟ وماذا يعني لك هذا البرنامج السيد رئيس الحكومة؟ إنه ببساطة الدخول في مرحلة جديدة كليا. فهل التقرير في هذه المرحلة يكون فرديا؟ هل يكون دون إشراك؟ هل الحكومة وحدها هي العارفة بما ينبغي القيام به في التعليم ؟ … ، تلك هي أزمة وزيرنا الديبلوماسي، أزمة الإشراك و الحوار . ففي مجال التعليم لا يمكن أن تنوب الحكومة عن الشعب، بل في التعليم لا يفوض الشعب للحكومة إرادته بدون إشراكه.

سينشر وزيرنا لوائح تهم مستغلي و مستغلات السكن الوظيفي و لوائح (الأشباح بلغة الصحافة). فقلنا هذا إجراء غير مسبوق في وزارة التربية الوطنية ، غير أن هؤلاء الذين سموا عبثا الأشباح لم ترافق المنشور توضيحات تبين ما معنى الإلحاق ؟ و ما معنى التفرغ النقابي؟ بل لم يتطور الأمر إلى نقاش وطني ليشمل غير هؤلاء الذين شملتهم اللائحة. و الأدهى و الأمر ان اللائحة شملت كثيرا من الأخطاء في الأسماء، وهو ما يعني أن لوائح الوزارة قديمة للغاية، و بذلك ارتكبت أخطاء كثيرة، فما كان من الوزارة إلا أن عبأت طاقما لتصحيح الوضعيات… لكن ماذا لو التجأ هؤلاء إلى القضاء بدعوى تشويه سمعتهم وارتكاب خطأ إداري؟ ثم هل تساءل الجميع قائلا: ألم تهمل الوزارة أسماء كثير من الأشباح؟ و السؤال موجه إليك السيد الوزير.

توقف الملاحظون عند أشباح من نوع خاص يدورون في فلك عتبات مكتبك ووزارتك، ويتقلدون مسؤوليات كبرى ، و ما عليك سوى أن تقوم ببحث دقيق لتجد أن هناك من يشتغل في غير موقعه، و هناك من استفاد من وضعيات إدارية جديدة و هو في الإدارة المركزية، بل هناك من ترقى في مكان و هو يشتغل في مكان قريب منك، وهناك من يسير موقعا إداريا وهو ليس فيه… إلخ، ابحث السيد الوزير و ستجد هناك من يحضر لقاءاتك بصفة ما و له صفة أخرى، وهو في واقع الحال في حكم الأشباح.

سيصدر وزيرنا الديبلوماسي مذكرة تمنع الاشتغال في القطاع الخاص إلا بترخيص. لقد صفقنا للقرار و اعتبرناه بداية لطرح التعليم الخاص للنقاش الوطني، وخاصة و أن هذا القطاع معفي من الضرائب و يعتبر إسفنجة تمتص مقدرات القطاع العام. لكن مابعد المذكرة ظل إجراءات خجولة و ضعيفة لأنه لم يطرح بدائل عبر حوار وطني ليجعل من التعليم الخاص سوقا للتشغيل و قطاعا يهتم بتنويع العرض كما و كيفا واستراتيجيا. وهكذا كان القرار متسرعا و عرف خفوتا لأن علاقة رب العمل بالمشتغل تمر بدروب غير دروب المذكرة و قرارات السيد الوزير.

شهدت الوزارة في عهد السيد الوزير تفعيل المرسوم الخاص بمراكز التكوين الجهوية. هل كانت جهوية فعلا؟ هل اعتمدت المقاربة الجهوية؟ هل المباريات جهوية؟ هل التوظيفات جهوية؟ فأين الجهوية هنا السيد الوزير في التسيير و التدبير و البرامج والمناهج؟ و أين التقويم الأولي لوظيفتها؟ و أين تقويم الأداءات؟ و كيف عينت الطواقم الإدارية ومن عينها؟ و ما رأي المفتشين في التكوين؟ … أسئلة كثيرة السيد الوزير ما زالت معلقة و نرجو أن يفتح النقاش فيها دون رأي وحيد.

وفي علاقة بالموضوع أعلاه عرفت وزارة التربية الوطنية تنظيم حركة مدراء الأكاديميات و النواب مصحوبة بانتقاء مدراء جدد و نواب جدد. و نشير السيد الوزير أن كثيرا من الصحف استبقت التعيينات و نخص منها تعيينات مدراء الأكاديميات و نشرت أسماء مرشحة للفوز بأحد المناصب ، وهو ما تم فعلا. فهل البرنامج الحكومي ينص على الحكامة والتدبير الجيدين أم ينص على انتقاء مدير من طرف مديره السابق وهو ما يتنافى و القوانين؟

إن أمر التعيينات في المناصب أصبح معمولا به رغم أن مذكرة صدرت عن الوزارة في عهد سابق تنص على التنافس … و سأترك لكم السيد الوزير الوقت الكافي لإحصاء كل من عينتهم أنت أو كلفتهم بمنصب ما.

ستتوالي تدخلات وزيرنا الديبلوماسي، وهو الوحيد العارف بما يقوم به و لماذا يقوم بذلك، حينما سيباشر ملف التوجيه و التخطيط ، و قراره القاضي بحل التنسيق المركزي للتفتيش دونما أن يشرك على الأقل المعنيين به، ودونما أن يعلن عن ملامح تعليم مستقبلي بتصور ما، و هيكلة وزارية بدون تفتيش مركزي. فمثل هذه القرارات المصيرية التي تهم التوجيه والتخطيط و الإدارة التربوية و التفتيش كان وزيرنا الوحيد الذي يعرف فيها المصير المآل، و ما علينا سوى أن نقرأ النيات الحسنة للإصلاح و نقتنع بذلك أو أن نخضع للقرارات الوزارية لأنها قرارات وزير جاب العالم و هو يعرف ما نجهله نحن.

لن يتوقف وزيرنا عند هذا الحد، بل ختم السنة الحالية بتخريجات و إشراقات تدبيرية جديدة حينما اكتفت وزارته الموقرة بالاعتماد على معدل نتائج الامتحانات النهائية في تعيين المتخرجين من المراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين و مركز المفتشين، و لكي يبدو الأمر ديمقراطيا و مقبولا فتح باب الطعن أمام المتضررين و المتضررات.

إن مثل هذا الإجراء لايمس المعنيين بالتعيينات وحدهم ، بل يمس المكونين و والمكونات، ويمس مصداقيتهم بخاصة ، و لهذا فإن الرجوع إلى القوانين المنظمة للامتحانات قد يحل المشكل من الأساس دون اجتهاد أو عبقرية تدبيرية قد تجعل الارتجالية انزياحا نحو القرابة و انعدام الشفافية.

يقال لنا منذ مدة أن الوزارة بصدد تحضير نظام أساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية، و الملاحظ أن لا أحد من المقربين أو الفاعلين الاجتماعيين له فكرة واضحة عما سيكون عليه الأمر، هل النظام الأساسي يهم الفاعلين أم يهم نخبة في الوزارة؟ هل هو أمر سري وجب التكتم عليه؟

قلنا دوما أنه على الوزارة أن تستحضر مطالب التنسيقيات و التنسيقيات الجديد والمجموعات الجديدة و النقابات … و أن تشرك الجميع في حوار عام وشامل يضم الباحثين في سوسيولوجيا المهن و المشتغلين على التدبير و ذوي الفكر الاستراتيجي … حتى تستطيع الوزارة وضع تصورات للمستقبل و تتجاوز مقاربة الموارد البشرية التقليدية للغاية.

… والحاصل أن التعليم ليس هو وزارة السياحة أو وزارة الخارجية ، حيث يكون الحوار بين وزيرين أو وزير و جماعة صغيرة من الناس. إن التعليم قضية مجتمع ، يهم حاضر المجتمع و مستقبله ، و من هنا فإنه يعتمد مقياس الأجيال لا مقياس الحكومات.
عن موقع : دادس أنفو

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    http://www.profpress.net/