حكاية بيتي الثاني ، حكاية ربع قرن

الإدارة مارس 09, 2018 مارس 09, 2018
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

حكاية بيتي الثاني ، حكاية ربع قرن 

نورالدين النبهاني


نورالدين النبهاني

حين يَتَحَوَّل مكان ما الى حُضن يضُمك و إلى وطن صغير تَسْكُنُه و يَسْكُنُكَ و تتربع زواياه في ثنايا روحِك .. يصعب عليك فراقه أو نسيانه....فما بالك إذا كان هذا المكان بيتك الثاني، فكما تعلمون لكل عامل بيتان بيت يعيش فيه .. وبيت يعيش منه وهذا البيت.. بيتي الثاني عشت فيه و عشت منه ربع قرن بالتمام والكمال والأغرب أنّ هذا المكان الذي يسكنني ..و هذا الحضن الذي يضمني لا تتعدى مساحته 140 مترا مربعا باولاد ايكو ..يتميز عن باقي الأمْكِنَة ..كَونه منارا يُنير العقول في كل الدُّروب ..

هذا المكان يتميز بِتَمَيُّزِهِ في حياتي ..و في حياة كل الصغار الذين كانوا مِنْ زُوَّارِه و كان كل دنياهم المعرفية ..لمدة ست سنين او اكثر ..هذا المكان الذي أخد من قَوْس قُزَح كل ألوانه و طاف بها حول عالمي حتى أصبح جزءا لا يتجزأ منه ..و جعلها مُمَيَّزة ومُتَمَيِّزة في حياتي و دُنيايا و عالمي ..إنها فرعية اولاد ايكو ...اذ قضيت بها اكثر من ربع قرن حتى أصبحت بيتي الثاني ..عشت في كنفها و بَيْن جُدْران أقسامها كل هذه السنين ..و لي في كُلّ رُكْنٍ مِن أركانها و في كل زاوية من زوايا جدران أقسامها ذكرى مع زميل أو مع صديق مِمَّنْ مَرُّوا مِنْ هنا أو مع متعلمين كانوا قمة العطاء و النشاط,,وهم اليوم في مسارهم يبنون مستقبلهم و يطمحون الى مراكز هامة ومهمة . ..ذكريات بعضها حزين و بعضها مُشْرق كشمس باسمة في يوم ربيعي ..
هذه المؤسسة التي أصبحت تحتل جزءا من ذاكرتي و كثيرا من حياتي ..آلتحقت بها قادما إليها من الجنوب ..أعزل ..أعزب ..وحيد ..وكانت هي عبارة عن قسم واحد ..ووحيد.. حديث البناية ..معزولا في أرض جرداء قاحلة ..ومع السنين ظلت تكبر و أنا اأكبر معها .. سنة بعد سنة ..سِنّا ..و شَكلا .لِكُلّ مِنا .. هي بعد سنتين أُضيف لها قسم ثان ..و بعد سنين قسم ثالث ..و تَكَرمت جماعة واد النعناع و بَنَتْ لها سورا قبل سنتين ليحميها و يُحَدِّد معالمها ..و أنا بدوري خلال هذه السنين تزوجت ..و أصبحت أبا ..و رب أُسرة ..و هاهي آبنتي البكر ستتخرج من المدرسة الحسنية للمهندسين السنة القادمة إن شاء الله ..و هي نفس السنة التي سأُغادر فيها بيتي الثاني و الوظيفة العمومية الى الأبد .لكن الحب للمكان و الحب للانسان لا يتوقف مع التقاعد و لا ينتهي بآنتهاء المهمة بل يستمر مع نبضات القلب ,,ومع وجود الحياة و مع آستمرار النبض بها .
ألم أقل لكم ..كلانا كان يكبر في الشَّكل ..و في السِن ..و في الحجم ..و كلانا كان يستمد قُوة الاستمرار من الآخر و من شدة ارتباطي بها.. نما بيننا شعور متبادل ..كنت أحس بها ..أشعر بأنفاسها . .بآبتسامتها ...ببهجتها ..و الاطفال يتسابقون في ساحتها ..أو وهم يرددون النشيد الوطني صباح كل يوم اثنين ..ومساء كل يوم سبت..

حكاية بيتي الثاني ، حكاية ربع قرن

هي لم تكن بالنسبة لي عِبارة عنْ بِناية وأحجار و جُدْران ..بل كانت مكانا ..له في القلب مكان ..بل أماكن في القلب و العقل و الجوارح ..مع كل مَنْ مرّ مِنْها و ترك ذكرى أو بصمة أو عِطْرا طيبا في نفسي أو في معالمها أو فينا معا ..
مع بداية كل سنة دراسية ..تعود الروح الى ذاتي وإلى عالمي ..و أنا أرى البسمة في جنباتها و هي تستقبلني ..و كأنّها تقول لي مرحبا بك في بيتك الثاني ..فإذا كانت المدرسة قلب الأم ..أو الأم الثانية فإنها بالنسبة للأستاذ .. البيت الثاني ..حيث يبني فيه المواطن و يربي الناشئة و يصنع الأجيال ..و يُنير الدروب ..و يغرس الآثار ..و تراه في حُجْرته الدراسية الأب الثاني ..و القائد ..و الرائد ..الذي ينوب عن الأب و عن الجميع في تربية الناشئة على النظام و الانتظام و حب الوطن و حسن السلوك الذي تفسده بعض الشوائب .وهو الوحيد في المجتمع الذي يتقاسم مع الآباء تربية الأبناء..
و لأنها بيتي الثاني الذي قضيت فيه ربع قرن من حياتي .. أحِنُّ إليها في العطل كما أحِنُّ الى حُضْنِ أمي إنْ سافَرْتُ بعيدا عنها ..و أفرح بِعَوْدتي إليها كما أفرح بلمّة أسرتي الصغيرة في المناسبات الدينية و الوطنية و الأعياد ..إذْ تعرفت فيها و أثناء اشتغالي بها ومن خلالها على صُحْبَة صالِحة و رُفْقَة طَيِّبَة مِنْهم مَنْ تقاعد و مِنْهم مَنْ آنتقل و مِنْهم مَنْ لا زال صديقا صادقا صدوقا ..من حمداوة .. اولاد العلوة ..ساكنة ابن احمد ..لأن هذه الفرعية تابعة لمجموعة مدارس النخيلة بتراب جماعة واد النعناع -دائرة ابن احمد اقليم سطات ..
والمناسبة التي جعلتني أكتب هذه الخواطر و السطور حَدَثَيْنِ هامَّيْنِ حَصَلا خِلال شهر فبراير من هذه السنة ،الحدث الأوّل الذي أدخل البهجة و الفرحة و السرور الى قلوب المتعلمين ،'هونقل المطعم المدرسي إلى فرعية اولاد ايكو و الحدث الثاني هو تعييني مديرا مساعدا لتدبير شؤون الفرعية و المطعم .
فتحية لساكنة أولاد إيكو الذين عرفوني( و أنا بينهم) شابا ..و رجلا ..و كهلا ..و ظلت علاقتي بهم طيبة كل هذه السنين ..و بينهم تلاميذة لي أصبحوا اليوم رجالا و آباء ،و أبناؤهم حَلُّوا محلهم و أصبحوا تلاميذة عندي كما كان آباؤهم بالأمس ..
وألف تحية لزوجتي التي ظلت الحُضن الذي أُحِس فيه بالحنان و أشْعر معه بالآمان .. و نحن نتلقى معا الضربات ..ضربات الحوادث ..و ضربات الأقدار ..في السرّاء و الضرّاء وها قد أصبح لها رُكْنٌ في بيتي الثاني ..و أصبحت توليه نفس الاهتمام ..و أصبحت له نفس المكانة بالنسبة لها ..
و تحية خالصة لِزُمَلائي ..لأصْدقائي ..و لأحِبَّتي ..أصحاب القلوب الطيبة والعقول الراجحة و النظيفة ..الذين لا زلت أتغذى في حياتي اليومية من أفكارهم و مواقفهم ومنشوراتهم ..في الواقع و في الفيس بوك ..
و كل عام و مدرستي العمومية ..حِلْوَة ..جنّة ..وأمّ حنونة ...

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    https://www.profpress.net/