يوميات طالب بدوي ( الجزء الأول)

الإدارة أبريل 02, 2018 أبريل 07, 2018
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A


يوميات طالب بدوي ( الجزء الأول)


يوميات طالب بدوي ( الجزء الأول)

بقلم: محمد السرحاني
ينحدر الشاب احميدة من إحدى القرى النائية التي تتمركز في أعالي جبال الريف، قرية يسودها الهدوء فلا يسمع لها ضجيجا صاخبا سوى تلك الأصوات المألوفة التي يستفيق على إثرها سكان القرية ، صوت الديك البلدي الذي تسمع نداءه فجرا، وصوت حمار ينهق من حين لآخر، وأصوات أخرى مختلطة لطيور الحجل وطيور الطنان وأصوات الماعز ...، ومن حين لآخر تسمع نداءات
بأصوات بشرية ، هنا لا مكان لضجيج المطارات و المصانع ولا لغازات وأدخنة السيارات، طبيعة خلابة يستفيق على أنغامها كل يوم السي احميدة ذو العشرين عاما ليتوجه صوب مدرسته الثانوية، فهذا هو عامه الأخير في الثانوية ليحصل على شهادة الباكالوريا، فبما أن العرف السائد في تلك القرية أن الفتيات لا نصيب لهم من التعليم سوى السنوات الأولى للتعليم الإبتدائي ثم الخروج إلى ميدان العمل في الحقول مساعدين بذلك آباءهم ، أما الذكور  فلا يتابع دراسته سوى الذي يجاهد نفسه لمتابعتها، فكان الشاب احميدة من بين الشباب القلائل الذين حصلوا على شهادة الباكالوريا بميزة مقبول، وبالتالي فمصيره الوحيد والأوحد هو متابعة دراسته بالجامعة التي تبعد عن قريته بمئات الكيلومترات....
ها قد حان وقت رحيل الشاب احميدة تاركا وراءه قريته الصغيرة التي يعد أناسها على رؤوس الأصابع ، قبل مغادرته قام بتوديع والديه الذين لم يتعودوا على فراقه يوما  مرورا بشباب الدوار الذين قاموا بتوديعه وملامح الحسرة بادية على وجوههم، فصيديقهم مقبل على عالم جديد يختلف كل الإختلاف عن قريتهم المحافظة اجتماعيا
ما إن وصل احميدة إلى المدينة الجامعية حتى بدت ملامحه تتغير مندهشا مما يراه فهو لم يسافر يوما إلى مدينة بهذا الحجم وبهذه الدينامية المتسارعة ، سيارات تتسارع في الطريق، أناس يمشون بخطوات سريعة، الكل منغمس في هاتفه يتحدث أو يكسر به روتين انتظار الأتوبيس الذي زاد احميدة دهشة حافلة بطول الستة أمتار يصعد إليها شباب ذكور و إناث نساء ورجال كبار وصغار، ففي قريته الصغيرة كانت شابات الدوار يخرجن في حياء وبلباس محتشم واضعين حدودا اجتماعية وأخلاقية بينهم وبين شباب الدوار ، كانت تؤطرهم تقاليد وأعراف ينضبط لها كل أناس الدوار، لكن الآن في هذه المدينة الضخمة الأمر مختلف حيث النساء والرجال التحرش بينهم متبادل فلا أعراف ولا عادات ولا ضوابط كما هو الحال في الدوار
الآن أدرك احميدة أن الكلام الذي كان يرويه أحد شباب الدوار حول هذه المدينة صحيح مما لا يدعوا مجال للشك حيث أخبرهم بأن هناك عالم يختلف كل الإختلاف عن الدوار، صعد احميدة إلى الحافلة المتوجهة صوب الكلية ، قام بنقد سائق الحافلة فأعطاه السائق ورقه تثبت أن لديه تذكرة، جلس احميدة وبجانبه متاعه الذي أحضره من الدوار، أخذ يقلب تذكرة الحافلة بين يديه إلى أن قام بتمزيقها، فهو لا يعلم بأن عليه الإحتفاظ بالتذكرة إلى حين وصوله إلى وجهته، توقفت الحافلة في المحطة ما قبل الأخيرة فصعد الحافلة ثلاثة مراقبين، توجه أحدهم إلى احميدة فقال له محدثا : التذكرة؟
رد احميدة : بصراحة لم أكن أظن أني سأحتاجها فقمت بتمزيقها عن غير قصد
المراقب : سأحرر لك مخالفة وستكلفك عشرون درهما
حاول احميدة المسكين أن يقنع المراقب لكن دون جدوى ، وحتى سائق الحافلة لم ينطق ببت شفة رغم علمه بمشروعية ركوب احميدة الحافلة لكونه أخذ تذكره، مد احميدة عشرون درهما للمراقب وغصة الشماتة لا تزال في حلقه، فما زالت المفاجئات تتوالى عليه واحدة تلو الأخرى
ها قد وصلت الحافلة إلى آخر محطة، ولم يتبق ل احميدة  سوى حوالي كيلومتين مشيا على الأقدام  ليبلغ محل سكنى أحد أبناء الدوار (مراد) الذي اللتحق بالجامعة منذ ثلاث سنوات مضت، كانت الطريق آنذاك خالية من المترجلين فحمل احميدة هاتفه المهترئ ليتصل بصديقه مراد وقبل أن يصل الهاتف إلى أذنه حتى تفاجا احميدة بالهاتف يخطف من يده فقد كانت  دراجة نارية يمتطيها لصين الأول يسوق الدراجة بسرعة جنونية و الثاني يجلس خلفه مهمته خطف الهواتف كما فعلوا مع احميدة...
ضربة أخرى توجه إلى احميدة، ما هذا؟ ماذا يجري؟ احتار احميدة في فهم ما يدور في هذه المدينة، ففي بلدته لم يحدث يوما أن سرق أحدهم وحتى مصطلح سرقة لم يكن يتداول إلا ناذرا، ولو ضبط أحدهم يسرق فالتقاليد السارية هناك تقضي بالحكم على السارق بما يتفق عليه "ناس الدوار" حسب سبب السرقة ودرجة السرقة....
مر طالب من أمام احميدة فأوقفه احميده سائلا منه أن يدله على أقرب مركز للتبليغ عن حالة سرقة هاتفه، أخبره الطالب بأن لا جدوى فيما سيفعل فليفوض أمره لله وليحذر في المرة القادمة، فقام الطالب بتوصيل احميدة إلى وجهته المنشودة حيث وجد مراد في انتظاره ممسكا سيجارة بيده ينتشي بدخانها، فتعجب احميدة من مراد الذي لم يكن يعرف في الدوار آنذاك سوى المسجد والمنزل والفلاحة، استقبل مراد احميدة بحفاوة فأخذ يشم رائحة الدوار فيه، تبادلا أطراف الحديث فحكى له احميدة عن كل ما جرى، فضحك مراد مقهقها تلاها بجملة :" أخويا احميدة راه أي واحد كيجي جديد هنا كيوقعلوا نفس الديكور راك فالمدينة نسا عليك أعراف وتقاليد الدوار هههه"
عندها أخرج احميدة ابتسامة تشوبها الشماتة في نفسه، توجه مع مراد إلى المحل المكترى قرب الكلية، عبارة عن بيت مهترئ  في إحدى زواياه شكل منها مراد مطبخ صغير، تعجب احميدة من هذا الضيق في هذه المدينة، مدينة كبيرة أناسها يسكنون في الضيق، مسرعون في تحركاتهم حذرون في  حديثهم حدوديون في تصرفاتهم......



شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    https://www.profpress.net/