الحجاج في مسرحية سوق لفراجة

الحجاج في مسرحية سوق لفراجة

الحجاج في مسرحية سوق لفراجة


الناقدة الدكتورة نعيمة الواجيدي
سعدت يوم أمس بمشاهدة العرض المسرحي الذي قدمه طلبة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة، وقبل بداية المسرحية،سألت زميلي الدكتور محمد صبري عن مؤلف النص المسرحي، فأخبرني أنه مؤلف تأليفا جماعيا من لدن الممثلين في المسرحية، ولا أخفي أنني ،وأنا أتابع العرض المسرحي،قد اندهشت لأسباب متعددة،جعلت هذا العرض يتجاوز كثيرا أفق توقعاتي،وأجمل هذه الأسباب في ثلاثة عناصر،أولها المستوى الجيد للنص المسرحي،وسأعود إليه بشيء من التفصيل ،وثانيها القدرة الإبداعية التي أبان عنها جميع الممثلين في تجسيد أدوارهم بنوع من التلقائية، وهي ناجمة عن موهبة ملحوظة في التعبير الجسدي بملامح الوجه وحركات الجسم ، بأسلوب يسهل تمرير الأفكار والمشاعر التي يعبرون عنها،وبلغة فصيحة سليمة المخارج،سواء تعلق الأمر بالعامية المغربية أم باللغة العربية،بل إنهم أنشدوا مقطعا من شعر عنترة بن شداد الشاعر الجاهلي،إنشادا فصيحا خاليا من الخطإ اللغوي والعروضي.وثالث هذه العناصر هو الإخراج المسرحي الجيد للباحث حمزة بنحيدا ،الذي أبدع في تحويل النص إلى عرض مسرحي ،يشد المتلقي إليه ،ويدفع عنه الشعور بالملل،بل إنه يدعوه أيضا إلى المشاركة في المسرحية ،عبر ظهور أحد الممثلين مع الجمهور خارج الخشبة،وعبر عبور عبيدات الرمى من بين المتفرجين،قبل صعودهم إلى الخشبة،هذا فضلا عن الموسيقى المعبرة التي صاحبت العرض ،والتي تنوعت،بين النمط الشعبي وبين النمط العصري،والتي جاءت منسجمة مع القضايا والأفكار المعبر عنها في المسرحية،ولايفوتني أن أنوه بالباحث إلياس رهني،الذي أبدع ،هو الآخر،في استثمار تقنيات الإضاءة،سواء تعلق الأمر بخلفية العرض المسرحي ،التي جسدت صورها ،كثيرا من الأحداث والمشاهد المعبرة،التي تتساوق والعرض المسرحي وتكمله وتعضد دلالاته وتقويها،أم تعلق بمستوى الإضاءة في فصول المسرحية،وهي إضاءة تنسجم انسجاما كبيرا مع دلالات المسرحية ورموزها.
أعود إلى المستوى المتعلق بالنص المسرحي ،الذي أبدع الممثلون حقا في تأليفه،ولاشك في أن اليد الصَّنَع للأستاذ المؤطر عبد الله صبري،قد كانت خلف هذا الانسجام الذي تحقق في هذا النص،فالمتابع للعرض المسرحي،يلاحظ فسيفساء من النصوص المتجاورة،ويلاحظ أن النص المسرحي يطرح مجموعة من القضايا التي تتعلق بالمواطن المغربي،والتي تعد أفكارا نمطية قديمة ،ينبغي التحرر منها،مثل الاعتداد بولادة الذكور واتهام المرأة بأنها لا تلد سوى الإناث،في تمثل سلبي متوارث للمرأة، ومثل الثمثل الدوني للولد الذي تتبناه أسرة غير أسرته،وهنا يظهر مستوى الحجاج ،لأن الممثل،وهو يطرح هذه القضايا الشائكة،يقدم حجاجا ضمنيا،وهو حجاج عقلي وعاطفي،فهو يوجه المتفرج توجيها ضمنيا إلى مراجعة الأفكار القديمة والنظر إليها بروح نقدية ،تحرره منها،لأن تبنيها يعد إجحافا بالإنسان،رجلا كان أم أمرأة.لايقتصر الحجاج على هذا المستوى الذي يتعلق بالمجتمع المغربي،وإنما يتجاوزه إلى مستوى إنساني،حين تجري على ألسنة بعض الممثلين أقوال فلسفية ،تخاطب العقل الإنساني، وتطرح أسئلة كبرى تلامس قضايا إنسانية عميقة.والمثير في هذا النص المسرحي ،هو قدرته على المزاوجة بين نصوص ،منها مايرتد إلى الثقافة الشعبية المغربية،ومنها مايتعلق بالفكر الفلسفي، ومنها ما يتعلق بالشعر العربي القديم، وهي مزاوجة ،فرضت تنوعا في لغة الخطاب التي عُبر فيها عن مقولات الفلسفة ،وعن الشعر باللغة العربية،وعبر فيها عن قضايا المجتمع المغربي،لاسيما البدوي،بالعامية المغربية،بل إن اللغة الإنجليزية كانت حاضرة أيضا في هذا النص المسرحي،وما هو مثير وممتع للمتلقي،هو أن التنقل بين أجزاءالنص المختلفة المشارب،كان سلسا،مما أضفى على المسرحية روحا من الحركية والتنوع، وهذا ما حقق الوظيفة الجمالية التي هي المطية الأساس للوظيفة الإقناعية. ومن المؤكد أن النص المسرحي لا يمارس الحجاج ممارسة فعالة،إلا حين يتحول إلى عرض حي على الخشبة،وهذا ما تحقق فعلا ،عن طريق الإخراج والإضاءة ،وهو ما جعل مسرحية سوق لفراجة،سوقا غنية جدا بالنصوص المتنوعة،وبالموسيقى المعبرة،والألبسة التي اتخذت بعدا رمزيا عميقا،والإضاءة الإبداعية،والأداء المسرحي الرائع لهذا الفريق الفتي الواعد من طلبتنا. وبناء على ما أوجزتالحديث عنه،أهنئ جميع الممثلين في هذه المسرحية،وأشكرا الدكتور محمدصبري،الذي ما فتئ يفتق الطاقات الإبداعية عند الطلبة ،وأشكر الدكتور عز العرب إدريسي أزمي ،الأستاذ والشاعر الذي شارك في الإشراف على هذه التحفة المسرحية،فظهرت بصمته الإبداعية فيها، وأشد بحرارة على يدي الباحثين الواعدين حمزة بنحيدا وإلياس رهني،وعلى من سهرت على المحاف…

الحجاج في مسرحية سوق لفراجة