امتحانات البكالوريا بين مواقع الإثارة الإلكترونية وجمهور مواقع التواصل الاجتماعي: من مغالطة الإسناد الزائف إلى استجابة التعميم المتسرع

امتحانات البكالوريا بين مواقع الإثارة الإلكترونية وجمهور مواقع التواصل الاجتماعي: من مغالطة الإسناد الزائف إلى استجابة التعميم المتسرع

ــ نورالدين الطويليع



 ــ نورالدين الطويليع

تطلع علينا، كل سنة بمناسبة امتحانات البكالوريا، مواقع إثارة إلكترونية، تقتنص عينة من المُمْتَحَنِين، تختارهم بعناية فائقة، وتستدرجهم إلى دائرة توجهها، ليكونوا طُعما جيدا لمتابعين، يجري إحصاؤهم وعدهم كقطيع، يحرص أصحابه على الإكثار منه، ليضمن لهم دخلا ماديا كبيرا.

تستند هذه المواقع في مسعاها الترويجي لمحتواها الحواري مع المتعلمين المختارين على مغالطة الإسناد الزائف التي تُسنَد فيها المعطيات والمعلومات إلى الشخص أو المجموعة الخطإ، اعتمادا على معلومات مغلوطة، وتكمن خطورة هذه المغالطة في تقديم صورة سيئة عن واقع امتحانات البكالوريا في المغرب، وتقديم العينات المستجوَبَة بوصفها مثالا يجسد حجة النموذج المضاد الذي يكرس المفارقة وينطق بالتناقض الصارخ بين ما يُبذَلُ من جهود في مستويات مختلفة من أجل تقديم صورة جيدة عن المنظومة التربوية في محطاتها الإشهادية، وبين ما تصبو إليه هذه المواقع من خلقٍ للإثارة، وتوظيف لعينات على المقاس، بأسلوب انتقائي، يركز على السلبي، ولا يلقي بالا للمخالفات التربوية والقانونية والأخلاقية التي تجعل المستجوَب يظهر في صورة مقززة، تضعه وتضع المستجوِب كليهما في خانة المحظور، وتفتح إمكانية متابعتهما قانونيا.

نجحت هذه المواقع إلى حد كبير في تحقيق مسعاها الربحي، بوصفها "وكالات تجارية"، وفشلت فشلا ذريعا في الوفاء للمهنية وأداء دور الإعلام التنويري الذي يضع مهمة توعية المتلقي في قائمة اهتمامه، ويسعى إلى أن يكون عامل بناء، لا معول هدم، وينخرط في دائرة الكف عن تقديم هدايا مجانية لأعداء الوطن الذين يتخذون من خرجات "إعلاميي" هذه المواقع نوعا من الحجاج بالوقائع، لرسم صورة سوداء عن البلد وتعليمه، وتقديم أبنائه كما لو كانوا خارج نطاق التحضر ، وكما لو أن المدرسة المغربية متخصصة فقط في صنع أصحاب اللغة الساقطة والأسلوب السمج الركيك، والتصرف العدواني الذي يصل إلى حد المجاهرة بالتهديد بالقتل، واعتماد "شرع اليد" ممن يحول دون تحقيق مرادهم.

يقع كثير من المتابعين لهذه المواقع ضحية مغالطاتها، وتصدر عنهم استجابات سلبية، تصب أغلبها في خدمة "الخط التحريري" لأصحابها، والتعليقات الكثيرة المصاحبة للحوارات المثيرة، تكرس الصورة السيئة، وتتماهى مع مغالطة الإسناد الزائف، لتنتج مغالطة أخرى عنوانها التعميم المتسرع.

هذه الاستجابة تستجيب لأفق انتظار المواقع الإلكترونية المنخرطة في حملة الإثارة والتجييش والبحث عن رفع نسب المشاهدة والتفاعل، والنتيجة التي تَمَخَّضَ عنها هذا التوجهُ أن مواقع التواصل الاجتماعي عجت بنبرات متشابهة، تصب في دائرة السخط والتبرم وإعلان البراءة من المدرسة وأطرها وتلاميذها، بشيطنة الجميع وإظهارهم في صورة، تشط كثيرا عن النموذج الذي نسعى جميعا إلى الترويج له، نموذج الأستاذ القدوة الذي يؤدي واجبه، وينخرط في صلب العملية التعليمية التعلمية بإيجابية كبيرة، ونموذج التلميذ المنضبط الراقي بكلامه وتصرفاته، المجسد للسلوك المدني، والواعي بمسؤولياته التربوية، الحريص كل الحرص على تجنب إطلاق الكلام على عواهنه.

هذا هو النموذج الذي ينبغي أن نعمل جميعا على إظهاره، حتى نوفر لناشئتنا الأرضية المناسبة للنجاح اعتمادا على حجة الشخص وأفعاله، أما الحالات المرضية فيجب الكف عن استغلالها بهذا الأسلوب الذي يجعل منها ضحية، ويحولها إلى مثال، لا شك أنه سيجذب ضحايا جددا، ويساهم في تعميق الأزمة، وسنكون بذلك كمن يهدمون بيوتهم بأيديهم، ويحفرون أخاديد الفشل للأجيال القادمة، ويسوقونها صوب حتفها التربوي.