الفعل الاحتجاجي لمواطني جماعة آيت بوكماز بين أطروحة الحرمان والاتهام بالاستغلال السياسي

الفعل الاحتجاجي لمواطني جماعة آيت بوكماز بين أطروحة الحرمان والاتهام بالاستغلال السياسي 

الفعل الاحتجاجي لمواطني جماعة آيت بوكماز بين أطروحة الحرمان والاتهام بالاستغلال السياسي


ـ نورالدين الطويليع

أثارت احتجاجات سكان جماعة آيت بوكماز ردود فعل متباينة، وأضفى تولي رئيس الجماعة قيادتها نوعا من الطرافة، وقد دخل رئيس الحكومة عزيز أخنوش على الخط، واتهم الرئيس باستغلال معاناة الساكنة سياسيا، مضيفا أن مهمته تحتم عليه أن يشتغل إلى جانب الإدارة، ويعمل بالتنسيق مع رئاسة المجلسين الإقليمي والجهوي على حلحلة المشكل، عوض أن يسعى إلى إذكائه وإشعال فتيل الاحتجاجات.

نسعى في هذا السياق إلى وضع الحدث في سياقه، ونقارب موقف رئيس الجماعة وتموضعه الاحتجاجي ورد فعل رئيس الحكومة، ونتساءل عن سر استحضار المصلحة الوطنية في تقويم هذه الخرجة، ودور الدعاية والدعاية المضادة في تشكيل إيتوس القائد وباتوس الخوف على الوطن الذي ينتج المعادلة الآتية: احتجاج المواطنين + رئيس الجماعة= تهديد الاستقرار والإخلال بقواعد المحافظة عليه ومخالفة موعد وقايته شر التكالب السياسي.

من المعلوم أن"شروط إنتاج الحركات الاجتماعية تظل مفتوحة في الغالب على عوامل الإقصاء والتهميش وإخفاقات التنمية" كما يقول الباحث السوسيولوجي عبد الرحيم العطري، واحتجاج ساكنة آيت بوكماز لا يخرج عن سبب النزول هذا، وقد أقر رئيسُ الحكومة نفسُه بهذا الواقع، واعترف بأن المنطقة تعاني من الحرمان والتهميش، قبل أن يوجه البوصلة في اتجاه آخر، ويوجه نقده اللاذع لرئيس الجماعة الذي قاد الاحتجاجات، متهما إياه بتسييس القضية واستغلال الاحتقان لتسجيل نقاط إضافية في سجل حملة انتخابية سابقة لأوانها.

يمكن تصنيف كلام رئيس الحكومة بهذا الصدد ضمن إطار الردود العامة التي تفتقد إلى التماسك الحجاجي، فمادام رئيس الجماعة يتحدث عن حرمان جماعته من حظها في التنمية عن سبق إصرار، فالمجال مفتوح له ليستعمل عتادا حجاجيا ثقيلا، يبتدئ بالأحداث والوقائع، وينتهي بالأرقام والإحصائيات، ويسائل الرئيس عن دوره في الحد من هذه العزلة، بوصفه وسيطا بين المواطنين والإدارة...، كان على رئيس الحكومة أن يأخذ شهادة كل من رئيس المجلس الإقليمي ورئيس المجلس الجهوي، ويطلب منهما إخباره عما إن كانا قد توصلا بمراسلات من المعني بالأمر في هذا الموضوع، كان عليه أن يطالب المعني بالأمر بمده بالمراسلات والطلبات التي قدمها للإدارات الإقليمية والجهوية والمركزية، وله حينئذ أن يصدر حكمه، فمن المعلوم أن الحكم لا يولد يتيما، وإنما يأتي بعد تقديم كل الحيثيات التي تجعل المتلقي مقتنعا بالكلام ومُهَيَّأً للحكم المزمع إصداره... كان عليه أن يقدم أرقاما إحصائية لما حصل رصدُه من دعم لهذه المنطقة، وأن يطالب الرئيس بتقديم الحصيلة، ويحاسبه على مواطن صرف هذا الدعم، وعن الاختلالات الحاصلة، لكن كل ذلك لم يحصل، وهو ما جعل رئيس الحكومة يعمد إلى التهمة الجاهزة المرتبطة بالتجييش والاستغلال السياسي.

لابد من الفصل بين الاحتجاج السلمي الذي لا يستهدف مؤسسات الدولة ورموزها الوطنية، ولا ينخرط في التواطئ مع جهات خارجية معادية للوطن، وبين الاحتجاجات الملغومة المؤدى عنها من لدن أعداء وحدتنا الترابية، فالأخير مرفوض بالبات والمطلق، أما الأول فلا يمكن بأي حال من الأحوال تجريد الداعين إليه من وطنيتهم، بل إنه قد يكون نابعا من إحساس وطني عميق، وكثيرا ما يكون ذلك الشخص الذي يرفع عقيرته برفض الظلم والقهر أكثر وطنية من شخص لا يفتر لسانه عن التغني بحب الوطن، لكنه يمارس في حقه كل ألوان النهب والاستغلال والسرقة الخفية.

الاحتجاج السلمي ظاهرة صحية وسلوك دستوري، لا تخلو منه أي دولة في العالم، وهذا ما يجب على الحزب الذي يقود الحكومة إدراكه، وتربية قيادييه على تقبله، لاجتثات ظاهرة الضيق بالصوت الاحتجاجي الذي رأيناه في أكثر من موقف، ووقع فيه أمين الحزب نفسه حين رد على مستشارة اتحادية بمجلس الجماعة التي يقودها، ودعاها إلى تجنب السياسة، في موقف يجسد واقع جزء من النخبة السياسية الحالية ودرجة وعيها المنخفضة بالممارسة السياسية وإدراكها القاصر لمدلولاتها وأبعادها، وقد رأينا بعضا من تمظهرات هذا القبح في دعوة نائبة رئيس جماعة أكادير التجمعية معارضي توجهاتها ليغادروا المدينة إن لم ترقهم هذه التوجهات، وكأن المدينة مِلْكٌ خاص لا يدخله إلا الراضون المرضيون.

نشير أخيرا إلى أن تدخل عامل إقليم أزيلال لوقف حد للاحتقان يُدين المجلسين الإقليمي والجهوي، ويؤكد أن المجالس المنتخبة لا يُعول عليها في القضايا الكبرى، وأن من يستطيع أن يحسمها هم ممثلو صاحب الجلالة في الأقاليم والولايات، وهذا يطرح سؤالا عريضا ومقلقا حول جدوى هذه المجالس وأسباب قصور رؤسائها عن أداء الأدوار التنموية المنوطة بهم.