في وداع رسل المعرفة المترجلين من قطار الحياة

الإدارة مارس 18, 2024 مارس 18, 2024
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

 في وداع رسل المعرفة المترجلين من قطار الحياة

       

في وداع رسل المعرفة المترجلين من قطار الحياة

 

نورالدين الطويليع 


قبل أن يودعوا أمهاتهم وأمهاتهن، أخذوا شيئا من متعلقات الحنين، ليتذكروا على مائدة الإفطار المتواضعة خبز الأم وقهوة الأم وتنهيدة الأم، وهي تودعهم بعيون دامعة، وتشيعهم، بنظرات، لم تدرك أنها الأخيرة، في طقس وداع مدسوس في خبايا القدر.


حملوا معهم سرديات الأسبوع الأول من رمضان في حضن الوالدة والوالد والإخوة، لتكون ذخيرتهم الحكائية في ليل الجبال البهيم ولياليه  الليلاء، وما دروا أن للحكاية نهاية محتمة، في انتظار أن تتحول إلى أسطورة، تتناقلها الأجيال عن فتية مروا كعابري سبيل من أمكنة، ولم يتركوا هناك إلا حروفا حفروها في الأذهان، وقلوبا صغيرة عطشى، سقوها بماء نبلهم، ومنوا النفس أن يروها تينع أمامهم، وتشب متفتحة في حضرتهم، لتنعش وحدتهم وتغذي عاطفتهم التواقة إلى زرع الجمال المعرفي والتملي بارتقائه كل يوم في مدارج المعرفة الفواحة بأريج نفوسهم الطيبة.


هم فتية آمنوا برسالتهم، في زمن إضاعة الرسالة، واختاروا ركوب مطية صعبة، تأخذ من النفس لتعطي للآخرين، وتحرق الذات لتضيء دروبا مظلمة، بدؤوا مسارهم العملي موقعين على جهاد تربوي في أعماقٍ لجية، وتطلعوا إلى رؤية النبت الذي تعهدوه بسقياهم الطيبة، وقد استقام على سوقه، وأنبت من كل زوج بهيج، قبل أن تستوقفهم يد القدر، وتنقلهم إلى الدار الأخرى، لتنتهي حكايتهم، وتنبت على وقع دمائهم الزكية حكايات متواترة، على ألسنة شتى.


سيحكي الأطفال حكايتهم مع معلمهم أو معلمتهم اللذين كانا يتقاسمان معهم خبز الأم عند أوبتهم، سيتذكرون لحظات الإشراق التعليمي التي صنعاها لهم... سيتقاسم الآباء ومضات الصدق والحنو والرأفة التي كانا ينسجانها، وهما يستقبلانهم استقبال الابن لوالديه... سيشهد المكان على استعارات  الحب والوفاء والتضحية التي أحيوها به، باعتباره قطعة من أرض وطن، منحوه قلوبهم وأسكنوه عيونهم.


سنتذكر جميعا لحظة المأساة، لنجدد عهد الترحم عليهم، ويذكر بعضنا بعضا أن رجل التعليم وامرأته كائنان استثنائيان، حملا بعضا من أمانة الأنبياء والرسل، فَقَدَّرَ كثير من الناس دورهما، وانخرطوا في طقوس الامتنان لهما، في حين انبرت الفئة الظالمة، لتسفههما وتتنذر بهما، وتتخذهما موضوعا أثيرا لضحك بلا معنى في حلقات البؤس التلفزيوني الشاهدة على زمن الردة الفنية والرداءة التي لم يعد لها قاع يقيها المزيد من الانحدار.


رحم الله رسل المعرفة الراحلين، وأسكنهم فسيح جناته، وألهم ذويهم جميل الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    http://www.profpress.net/