الجماعات الترابية المفهوم و التطور و أدوارها التنموية

الإدارة مارس 04, 2018 مارس 04, 2018
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A
-الدرس الاول: حول الجماعات المحلية

الدرس الثاني: الجماعات الترابية المفهوم و التطور و أدوارها التنموية



إذا وجدنا – كما نعتقد – الحرية و العدالة أساسا في الديمقراطية، فان تحقيقها الفعلي رهين بمشاركة الجميع في التدبير"
اريسطو قبل 24 قرن: "لا سبيل إلى تحقيق التنمية إلى بتوسع قاعدة المشاركة و تدعيم الديمقراطية المحلية"



"تدبير الشأن المحلي اليوم منطقه يبدأ من الديمقراطية وينتهي بالحكامة المحلية ويظل الفضاء الذي يمكن أن يسع هذه الثنائية هي الجهوية"

عبد اللطيف الوناس: عرف التنظيم الإداري بالمغرب عدة مراحل تخللتها أشكال مختلفة من الهياكل تميزت كل مرحلة منها بخصائص ومميزات معينة تعكس أسباب ودواعي ذلك التقسيم الإداري.
ولعل التنظيم الإداري الحالي يشكل أهم ما وصل إليه الفكر الإداري في المجال الديمقراطي ، وبلورة الحريات العامة و إشراك المواطنين في التدبير المحلي.
وقد لعبت الجماعات الترابية خلال جميع هذه المراحل التاريخية للتنظيم الإداري أدوارا مهمة، حيث أوكلت إليها مجموعة من الاختصاصات، كما عرفت تطورا كبيرا خلال هذه المراحل على مستوى أدوراها و الاختصاصات التي كانت تخولها لها الدولة خلال كل مرحلة.
من هذا المنطلق سأحاول التطرق إلى مجموعة من الإشكاليات الكبرى و الإجابة عنها :
1-مفهوم الجماعات الترابية و المحلية ؟
2-ماهي مراحل تطور الجماعات بالمغرب ؟
3-ماهي الأدوار التي كانت تقوم بها الجماعات الترابية في السابق ؟
4-ماهي الأدوار التي تقوم بها الجماعات الترابية حاليا ؟
5-ماهي العراقل التي حالت دون قيامها بأدوارها ؟

مفهوم الجماعات الترابية:

يعرف الدستور المغربي الجديد الجماعات الترابية في المادة 135 ”بأنها الجهات والأقاليم والعمالات و الجماعات“.
الفصل 94: الجماعات المحلية بالمملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية؛ ولا يمكن إحداث أي جماعة محلية أخرى إلا بقانون.
الفصل 95: تنتخب الجماعات المحلية مجالس تتكلف بتدبير شؤونها تدبيرا ديمقراطيا طبق شروط يحددها القانون.
يتولى العمال تنفيذ قرارات مجالس العمالات والأقاليم والجهات طبق شروط يحددها القانون.
يعين رئيس الحكومة العمال والولاة
الفصل 96: يمثل العمال الدولة في العمالات والأقاليم والجهات، ويسهرون على تنفيذ القوانين، وهم مسؤولون عن تطبيق قرارات الحكومة كما أنهم مسؤولون، لهذه الغاية، عن تدبير المصالح المحلية التابعة للإدارات المركزية.

تعريف الجهة

الجهة هي جزء من مجال واسع ينفرد بمجموعة من الخصائص الطبيعية والبشرية والاقتصادية والتاريخية، تميزه عن غيره من المجالات المجاورة وقد خضع التراب الوطني إلى عدة تقسيمات جهوية، تتباين أهميتها حسب تباين المعايير المعتمدة والغاية المراد منها في هذا التقسيم .

فالجهة كيان ترابي أو مستوى إداري لا مركزي أو بعبارة أخرى وحدة تتموضع تحت مستوى الدولة المركزية تتمتع بتمثيلية سياسية مضمونة بوجود مجلس جهوي منتخب.

تعريف الجماعات

هي وحدات ترابية داخلة في حكم القانون العام تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي في تسييرشؤونها بكيفية ديمقراطية وتنقسم إلى جماعات حضرية وجماعات قروية .

مراحل التطــور بالمغــرب

عرف المغرب خلال مراحله التاريخية محطات هامة في مجال التنظيم الإداري، حيث شهد تقسيمات إدارية جهوية منذ عهد الحماية مرورا بمرحلة الإستقلال وبناء الدولة الحديثة إلى حدود الآن، .لكل دوافعه وأسبابه ومبرراته وأهدافه هذه التقسيمات الجهوية لعبت فيها الجماعات الترابية أدورا مهمة وعرفت تطورا ملحوظا من مرحلة إلى أخرى :

مرحلة الحماية : (الاستعمار الفرنسي والإسباني)

بدخول المغرب في عهد الحماية,عمل المستعمر على تقسيم البلاد إلى مغربين أحدهما نافع وأخر غير نافع، وكان الهدف من هذا التقسيم هو ضبط المدن والجهات المغربية والتحكم فيها، بحيث أنه ركز على الجوانب الإقتصادية على حساب جوانب أخرى ليسهل عليه استغلال خيراته .
و المنحى التاريخي الذي اتخذه المجال المغربي في هذه المرحلة لم يكن من أجل خدمة المغاربة وإنما كان آلية لمراقبتهم ورصد تحركاتهم( لتركيع) المقاومة، حتى يتسنى لهم نهب الثروات والخيرات وهنا وظفت الجماعات المحلية كإطار للإدارة ومراقبة السكان .
و الدور الذي كانت تلعبه الجماعات آنذاك يتجسد في المراقبة الإدارية لمحاولة فرض السيطرة على البلاد بحكم قربها من المواطنين بجميع المناطق والجهات الحضرية منها والقروية .

مرحلة الاستقلال وبناء الدولة الحديثة

بعد حصول المغرب على الإستقلال عمل على نهج مجموعة من السياسات تهدف إلى القضاء على التفرقة بين المجال القروي والمجال الحضري ,وكذا القضاء على نظام المستعمر المستغل لثرواته فحاول إعادة تقسيم البلاد إلى جهات لتحقيق التوازن على جميع المستويات والقضاء على الفوارق الإجتماعية وبالتالي إعادة هيكلة المجتمع ككل .
لكن هذه السياسات التي نهجتها الدولة لم تستطع الوصول إلى غاياتها بل ازداد الأمر تعقيدا مما جعل الدولة تتجه إلى نهج سياسات أخرى تعطي الأولوية للإدارات والمؤسسات العمومية في تدبير وتسيير الشأن المحلي وتحقيق التنمية، تتمتع بقدر من الاستقلال وتباشر إدارة أمورها ومشاكلها بنفسها في النطاق المرسوم لها تحت سلطة الوصاية .
ومن هنا يمكن القول بأن اللامركزية تهدف إلى إعطاء الهيئات المحلية حق إتخاذ القرارات بشكل إنفرادي وتقريب الإدارة من المواطنين وإسناد حل المشاكل المحلية إلى سلطة منبثقة عن جماعات منتخبة لمساندة السلطة المركزية
وهنا نلمس التطور التاريخي الذي عرفته الجماعات الترابية إذ انتقلت من المراقبة الإدارية إلى تسيير المرافق العامة والمحلية، وصولا إلى محاولة تحقيق التنمية بمعنى أنها لم تعد مقتصرة على مهام الإدارة العمومية كإعطاء الوثائق الإدارية أو أن تقوم بمهمة المراقبة كما عهدناها في فترة الحماية بل تطورت حقول تدخلاتها وتشعبت مجالات اختصاصاتها حيث مكنها مبدأ اللامركزية من الاهتمام بالمشاكل الجديدة المرتبطة بتطور المجتمع الشيء الذي أهلها لأن تكون قاطرة للتنمية .
الجهوية الموسعة وإشكالية الحكامة الجيدة

تعريف الجهوية الموسعة (أو المتقدمة)

إصلاح هيكلي عميق جوهري لجميع هياكل الدولة يتمثل في إعطاء صلاحيات أوسع للجهات ولممثلي السلطة المركزية (مجالس جهوية، عمالات، أقاليم، جماعات ترابية..)

خصوصيــــــاتها

-جهوية متدرجة عبر السنين جهوية وظيفية، اقتصادية دات طابع استشاري، لامركزية جهوية، تشاركية.

-جهوية مغربية مغربية تعتمد معايير سوسيو اقتصادية، جغرافية، اجتماعية، ثقافية..
-جهوية موسعة وتشاركية تتمثل في تمتيع الجهات باختصاصات واسعة، وإشراك المواطنين في تدبير الشأن المحلية.

تعريف الحـــــــكامة الـجــــــــــــــــــــيدة

هي طريقة ممارسة السلطة الاقتصادية، السياسية والإدارية من طرف الحكومة و تسيير موارد البلاد من أجل التطور(اعتبرت من طرف البنك العالمي كشرط أساسي ومعيار لتقييم سياسيات التطور). وهي تعتمد على المبادئ الأربعة التالية المـــسؤولية، الشفافيــــــــة، دولة الحق والــقانون، والمشــاركة أو التشــاركية.
الإشكالــــــــــــية

إلى أي حد تعتبرالجهوية الموسعة حلا لإشكالية الحكامةالجيدة ؟

العلاقة التي تربط الجهوية الموسعة والحكامة ؟

مظاهر العلاقة بين الجهوية الموسعة والحكامة
- إن الجهوية الموسعة عن طريق تخويل بعض الجهات صلاحيات أوسع في الميدان الأمني تساهم في إرساء دعائم الحكامة الأمنية ( استباقية الأحداث، الوقاية، التدخل) من أجل محاربة جدور الإرهاب وتفشي الجريمة قبل أن تقع في جهات وأقاليم المملكة ، ومن هنا المساهمة في حفظ الأمن العام في البلاد.
- تعتبر الجهوية الموسعة عن طريق إشراك المواطنين في تدبير الشأن المحلي كخلق مجلس اقتصادي واجتماعي له فروع على مستوى الجهات، يتكفل بدراسة المشاريع الاقتصادية والمتطلبات الاجتماعية للساكنة تساهم في إرساء حكامة اقتصادية تشاركية.
- الجهوية السياسية والثقافية المتمثلة في تأهيل وتأطير النخب السياسية الكفؤة المنتقاة بطريقة ديموقراطية تشاركية تساهم في تكريس مناخ سياسي مبني على أساس الثقة بين الأطراف المتعاقدة سياسيا في تمثيل السكان وإشراكهم في اتخاد القرارات السياسية عن طريق مجالس جهوية منتخبة عن طريق الاقتراع المباشر وتأهيل وإشراك النخب المثقفة والفاعلين الجمعويين تساهم بشكل فعال في تدعيم مبادئ الحكامة السياسية الجيدة. الشيء الدي يصب في دمقرطة الحياة السياسية بالمغرب ويواكب الطابع التنموي والاقتصادي الدي لا يلغي الجوانب السياسية .
الجهوية الموسعة والحكامة الإدارية في هدا الصدد يمكن أن نقول أن الجهوية الموسعة عن طريق تخويل الجهات (الجماعات الترابية) مهام وصلاحيات واسعة ، يمكن أن ندكر على سبيل المثال التدبير المفوض لتسيير المرافق المصلحية، الشراكة المندمجة بين القطاع العام والخاص تساهم كدلك في تسهيل وتبسيط بعض المساطر الإدارية المعقدة وتسيير مشاريع تنموية على صعيد الجهة من خلال تقريب الإدارة من المواطنين . إلا أن اي جهوية دات صلاحيات أوسع دون إرساء مبادئ المحاسبة كالمراقبة والمسؤولية والشفافية في تدبير الصفقات العمومية التي تحظى بها الشركات الأجنبية (رشوة، عدم احترام البرامج المسطرة ودفاتر التحملات) والتي تصطدم بعدة صعوبات كما دكرنا وتحول دون تحقيق الأهداف المرجوة من الجهوية الموسعة على مستوى الإدارات العمومية، وتعطل مسلسل التنمية المحلية والمجالية.
الآفاق المستقبلية للجهوية الموسعة كحل لإشكالية الحكامة المكتسبات و الرهانات
إن الجهوية الموسعة دات تقسيم ترابي بسرعتين (جهات فقيرة وأخرى غنية) تعرقل سيرورة وإرساء مبادئ الحكامة الجيدة (سوء توزيع الثروات).
إن الجهوية الموسعة دات طابع تشاركي شفاف ومسؤول تشاهم مما لاشك فيه في ترشيد نفقات الدولة وتحسين تسيير المرافق العمومية باعتماد مبدأ التسيير المرتكز على النتائج والفعالية والنجاعة.
إن الجهوية المتقدمة دات الطابع الثقافي المتميز تساهم في الحفاظ على الموروث الثقافي للجهة والهوية الوطنية وتسمح برسم بساط للتضامن بين الجهات.
مما لا شك فيه أن أي سياسة للتطور في ظل الجهوية التنموية والتي تتقاطع مع مبادئ الحكامة الجيدة تقتضي تحسين مستوى عيش السكان مع الحفاظ على مستقبل الأجيال المتعاقبة عن طريق تنمية مستدامة مندمجة (تنمية مع الأخذ بعين الاعتبار الاكراهات البيئية)..
علاوة على دلك فإن الحكامة الجيدة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تقتضي احترام دولة الحق والقانون دون إلغاء دور الدولة أو تقريمه، مع احترام الحريات العامة (حرية الرأي والتعبير..)، مساواة المواطنين أمام القضاء واستقلالية هدا الأخير، وترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص وعدم الإقصاء على مستوى جميع الجهات في ظل وحدة التراب والثوابت.
إن اعتماد حكامة أمنية تعتمد على مقاربة استباقية، وقائية وتدخلية تساهم في تحقيق الأمن العام كحل ناجع لعدة قضايا كالإرهاب والجريمة.
لا يمكننا الحديث عن حكامة جيدة دون تنسيق جهود المنظمات غير الحكومية وهيئات المجتمع المدني التي تعتبر شريك ووسيط رسمي للدولة، لكون هده الهيئات أقرب لهموم ومتطلبات كل جهة عن طريق اقتراح حلول واقعية لعدة قضايا محلية كالصحة والسكن والأمن..
تعتبر الجهوية الموسعة كحصن حصين ضد ما تستهدفه العولمة من خوصصة ومحاولة لطمس الهوية عن طريق الانفتاح الزائد على الخارج (الانفتاح السلبي)، حيث أن البلدات يمكن لها أن تنفتح اقتصاديا وسياسيا، لكن الموروث الثقافي يعتبر هوية غير قابلة للخوصصة أو التفاوض.
إن تنسيق وتعزيز دور المؤسسات الرقابية كالمجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة للمالية والمفتشية العامة للإدارة الترابية يساهم بشكل فعال في تسيير الشؤون العامة للجهات والأقاليم ويخلق تصور واضح لعمل الإدارات التابعة لها.
الجهوية المتقدمة عن طريق إعداد التراب الوطني (عملية تقنية وفنية وإدارية) تساهم في توزيع عادل للثروات والموارد البشرية والمالية بين مختلف الجهات (12جهة حاليا) ويسمح بالنهوض بالتنمية الجهوية (سياسة تخطيط واقعية)
لعل النهوض بالجهة وتخويلها الاختصاصات والموارد الكافية وتقوية نظام اللاتمركز سيفضي لا محالة إلى الخروج بأعمال تنموية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بشكل كبير وفعال. كما أن التطبيق الجيد والفعال للمشروع الجهوي سيفضي إلى تحقيق الظروف المواتية للعمل على إعداد التراب جهويا ووطنيا (حكامة ترابية).
وتأكيدا للتصور العام للجهوية المتقدمة في إطار الحكامة الجيدة، فإن التنمية المحلية من خلال التدبير المحلي الواسع للوحدات الجهوية الموسعة والتي من المنتظر أن تكون أكثر استقلالا، يقتضي أن تتوفر لها الشروط والإمكانات والموارد الكافية لتنميتها، موازاة مع دلك يتحتم على المواطن الانخراط في المسلسل التنموي المحلي بفعالية، ودلك في إطار رؤية مستقبلية لبناء جماعات جهوية قائمة الذات تساهم أساسا في إرساء مبادئ الحكامة الجيدة محليا ووطنيا. لهدا فإن الحكامة المحلية المتمثلة في الديموقراطية المحلية قد توفر مناخا سياسيا يعزز مسار الانتقال الديموقراطي من خلال توسيع قاعدة المشاركة السياسية لفئات المجتمع عبر مؤسسات جهوية ديموقراطية. حيث أن العزوف السياسي قد اضحى من ضمن ابرز الاختلالات العميقة التي بعرفها المشهد السياسي المغربي بشكل لافت في السنوات الاخيرة بحسب إحصائيات رسمية.
   

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    https://www.profpress.net/