مسيرة الكرامة وسياسة النعامة

الإدارة نوفمبر 08, 2023 نوفمبر 13, 2023
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

مسيرة الكرامة وسياسة النعامة



المصطفى سالمي



مسيرة الكرامة وسياسة النعامة

تجمعت الحشود الغفيرة أمام مبنى البرلمان مع ساعات الصباح الأولى، كانت الوجوه مشرقة واثقة من النصر وتحقيق المبتغى، فئات من مختلف الأعمار والفئات، شبان وشابات، نساء وكهول جاؤوا من مختلف ربوع البلاد، توحدهم هموم التعليم ومشاكله وقضاياه، على محياهم تبدو متاعب المهنة الحارقة، البعض كان في جو عائلي مع أطفاله أو بعض أقربائه، فجأة بدأت الحناجر تصدح: (يا وزير يا جبان/ الأستاذ لا يُهان)، كان المكبر يبدأ بالشعار وتردد خلفه جموع المدرسين الذين بدأوا بزحف جارف على المكان، ثم انطلق شعار آخر أكثر قوة:(ارحل يعني امشي/ واش ما كتعرفشي؟)، واشتد الصخب الغاضب في شارع محمد الخامس العريض الذي يتوسطه النخيل، ورغم اتساع الفضاء المكاني إلا أنه ضاق بالمحتجين، كان رجال الأمن يقفون أمام المباني الحساسة للدولة واثقين من أنفسهم، وكان المدرسون يتجنبون الاحتكاك بهم أو استفزازهم لتجنب كل ما لا تحمد عقباه، وانطلق شعار آخر أثبت من خلاله المحتجون أنهم ترعرعوا وشبوا من وعلى تراب هذه الأرض: (من أرضك يا مغرب/ ما جيناش من برا) ـ أي لم نأت من الخارج ـ ثم اندفعت الحشود نحو المباني الوزارية وبالضبط نحو مبنى وزارة التربية الوطنية، ليتعالى النداء: (الشعب يريد إسقاط النظام/ نظام المآسي)، كان هذا الشعار كما غيره من الشعارات يزلزل المكان وكأنما حشود غير بشرية تشارك في التيار الهادر، لقد كانت الأصداء تملأ القلوب رهبة لدرجة يخيل للبعض أن ملائكة السماء تشارك في هذه المسيرة المباركة، وتعالى النداء: (خرجنا واحتجينا/ ومن كل مدينة جينا/ من الجنوب جينا/ من الشمال جينا ...)

وظلت اللازمة تتردد بقوة، ويرد وراء صوت المكبر الآلاف. كانت الصفوف تتقدم ببطء قبل أن تتوقف أمام مبنى الوزارة، ليتعالى النداء: (يا وزير هاك الجديد/ التصعيد والتصعيد ثم التصعيد). والحقيقة أنه لم يكن أحد من المشاركين يعرف أول المسيرة من وسطها من آخرها، كل ما يعرفه الناس أن السيد الوزير أغلق عليه مكتبه وفمه متبعا سياسة:(كم حاجة قضيناها بتركها)، ولعلها سياسة النعامة التي يظنها تنجيه فتهلكه، لكن الأكيد أن الأصوات كانت قوية مزلزلة بما فيه الكفاية، تؤيدها قوة رهيبة مباركة جعلت برودة تلك الصبيحة بالعاصمة الرباط تتحول لدفء في القلوب والحناجر، بينما رسمت السحب المتفرقة في السماء شارة النصر الذي باركه الشعب كله، وخاصة الفئات المستضعفة وأولياء التلاميذ بالمدرسة العمومية الذين ساندوا المدرسين في مطالبهم المشروعة، وحدهم المسؤولون انكشفت سوءاتهم وشعاراتهم الزائفة عن الدولة الاجتماعية والاهتمام بالطفل ومحاربة الهدر المدرسي وغيرها من العناوين الكاذبة التي صدعوا بها رؤوس الناس في إعلامهم الكاذب المخادع. عاد المدرس (الراضي) إلى مدينته الصغيرة المتسقرة بقلب سهول دكالة الوادعة البهية تاركا خلفه جموعا من المدرسين يحمل كل واحد في قلبه غصة وفي عقله حكاية عن وطن تتقاذفه أياد خفية ولسان حاله يقول: اللهم احفظ هذا البلد واجعله آمنا من شرور العابثين، كانت صورة الأيادي لبريئة وهي ترتفع في صفوف الفصل تملأه حنينا وشوقا لقسم فيه دفء ومحبة وضياء وسناء، وبقيت الأسئلة الحارقة عن المآلات والنهايات تشغل باله كالمطارق على رأسه بينما هدير الحافلة واهتزازاتها كأوتار تعزف لحنا غامضا غموض تقاطعات طريق العودة من مسيرة الكرامة

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    http://www.profpress.net/